تطلب الأمر انتظار مئة عام كاملة، والعثور على وثائق قديمة أكل عليها الزمن، لفهم قصة حياة سيدني لويس، الذي جند في الجيش البريطاني وهو في الثانية عشرة من عمره ليشارك في المعارك الضارية للحرب العالمية الأولى.
ففي الذكرى المئوية الأولى لاندلاع الحرب العالمية الأولى، نال لويس أخيراً الاعتراف به وبقصته، واحترام أبنائه الذين كانت تساورهم شكوك في صدق قصته، وهو الذي أرسل وهو فتى إلى خطوط القتال الأمامية ليشارك في أكثر معارك التاريخ ضراوة.
في آب (أغسطس) من عام 1915 كان سيدني لويس يمضي إجازته، وكانت الحرب بدأت قبل عام، وبلاده في حاجة ماسة إلى الرجال المقاتلين. وعلى رغم صغر سنه، أقدم هذا الفتى على خوض غمار التجربة.
ويقول أنتوني ريتشاردز المسؤول عن المحفوظات في متحف الحرب في لندن لوكالة فرانس برس”في تلك الحقبة كان الشعور الوطني يلتهب في صدور الشباب، وكان هناك الكثير من الضغط الذي تمارسه العائلات والأصدقاء والمجتمع بشكل عام على القادرين على المساهمة في المجهود الحربي”.
وكانت بعض العائلات ترسل أولادها للقتال لما يشكله ذلك من تخفيف للأعباء الاقتصادية التي كانت ترهقها في أيام الحرب.
ويقدر المؤرخ ريتشارد فان امدين عدد القاصرين الذين انضموا إلى القوات البريطانية في الحرب العالمية الأولى بنحو 250 ألفاً، ويقول إن أرباب العائلات كانوا يخففون بذلك عن كاهلهم عبء إطعام فرد من العائلة، ويرسلونه إلى حيث قد يكون أفضل من العمل في المناجم.
لكن العائلات كانت تطمئن لبقاء أولادها داخل حدود بريطانيا إذ إن العمر الأدنى للمقاتل خارج الحدود ينبغي أن لا يقل عن 19 عاماً.
وبحسب فان امدين، وهو واضع كتاب “بويز سولدجرز اوف ذا غرايت وور” (فتيان مقاتلون في الحرب العالمية الأولى)، فإن سيدني لويس كان يبدو أكبر مما هو عليه.
تطوع سيدني لويس في مقر عسكري في كينغستون جنوب لندن، ولم تعرف أمه أين “تبخر” ابنها، بحسب ما يروي كولن لويس الابن الوحيد لسيدني.
وفي العام 1916، أبلغ جندي، أم سيدني أنه يقاتل معه في الفرقة العسكرية المشتبكة مع الألمان في فرنسا.
وعلى الفور راسلت الوالدة مكتب التجنيد مطالبة بإعادة ابنها، معززة رسالتها بوثائق تظهر سنه الحقيقية.
وتلقت الوالدة جواباً سريعاً من الجيش مذيلاً بتاريخ الرابع والعشرين من آب (أغسطس) 1916، جاء فيها “يسرني أن أعلمك أننا بدأنا باتخاذ الإجراءات، وأن الفتى سيعود إلى بيته في أسرع وقت ممكن”.
ولم يعثر على هذه الوثائق الهامة جداً سوى قبل أعوام قليلة، وذلك بعد وفاة واحد من أشقاء لويس كان يحتفظ بها، وهي تشكل كنزاً لا يقدر بثمن لعائلته.
ويقول ابنه وهو الآن في الثمانين من عمره “كان والدي يقول إنه قاتل في الحرب الأولى، لكني كنت أظن أنه يبالغ، لأني كنت أظن أنه كان صغيراً جداً وقتها”.
ويضيف “لم نعط الموضوع حقه في الكلام..كان أشبه بسر للعائلة”.
وبحسب متحف الحرب البريطاني “وور امبريال ميوزيم”، فإن سيدني لويس كان فعلاً أصغر جندي في الجيش البريطاني أيام الحرب الأولى.
وفي الذكرى المئوية لاندلاع هذه الحرب، يعتزم كولن لويس أن يكرم ذكرى أبيه بطريقته الخاصة، إذ سيذهب مع أولاده وأحفاده إلى الأماكن التي خاض فيها والده معركة السوم في فرنسا، وهي من أشهر المعارك التي دارت بين القوات الألمانية وقوات الحلفاء.
ويقول لفرانس برس “أنا حزين جداً لأني لم أهنئه على بطولته في حياته”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق