الثلاثاء، 18 فبراير 2014

"صيادو الجثث".. تجارة تدّر الملايين


على ضفاف النهر الأصفر، يقف الصياد "اكس بانغ"، يدخن سيجارته ويتطلع إلى مياه النهر العكرة .إستعداداً للإبحار بزورقه في النهر لجلب قوته اليومي، ليس من الأسماك كما هي عادة الصيادين بل بصيد الجثث الميتة ويبيعها لأهلها.
هذه الممارسة عرفت في الصين منذ العصور القديمة، عندما كرس بعض الصيادين وقتهم لاستعادة الجثث من المياه و إعادتها إلى أسرهم، وكانت تحظى بتقدير واحترام المجتمع ولم يكن الصياد يكافئ بالمال بل بإلشكر والإمتنان من أهل الميت .
لكن مع تطور البلاد ، وسوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية تحول صيد الجثث الى تجارة مربحة لمعظم الصيادين حتى الشباب بدأت تستهويهم هذه المهنة .
ويعتبر النهر الأصفر في مقاطعة "قانسو" بشمال غرب الصين، مكان الصيد الوفير خاصة عند منحنى النهر حيث تتكدس الجثث .
"اكس بانغ " (55) عاماً، واحد من العديد من الصيادين على النهر الأصفر الذي تولى هذه المهمة المروعة،عام 2003 ،حيث كان قبل هذه السنة يعمل في بستان لزراعة الكمثري .إلى أن اكتشف تجارة صيد الجثث التي تدر عليه أضعاف مهنته القديمة .
يصيد "اكس بانغ" ما بين 80 إلى 500 جثة خلال السنة، ومن مختلفة الأجناس من ذكور واناث ضحايا الغرق أو الانتحار أو الجريمة . ولكل جثة سعر يحدد قيمته الوضع المالي للعائلة على سبيل المثال، يطلب بانغ 75 دولاراً من المزارعين، و 500 دولار من موظف الحكومي وقد يصل السعر الى 800 دولار إن كانت الشركة هي من يدفع . إضافة الي الجثث المجهولة الهوية او التي لا يرغب أهلها في استلامها، حيث يتم إعادتها إلي النهر 
يقول بانغ أغلب الجثث التي لا يطالب بها أهلها هي جثث العاملات المهاجرات اللواتي انتقلن الى العمل في مقاطعة لانتشو وقد قتل معظمهم ".
بعد أن يصطاد بانغ الجثث يقوم بغسلها ووضعها في كهف قرب النهر، ثم يقوم بنشر إعلانات في الصحف المحلية، حتى يتمكن اهل الميت من التعرف عليها ، فيتصلون به أو يرسلون أحد الأشخاص للقرية لمعاينة الجثة والتعرف عليها.
يفرض بانغ مبلغ رمزي لدي رؤية الجثة قبل دفع كامل المبلغ لدي استلامها، وقد تعود أهل القرية وزبائنه على ذلك لم ينزعجوا من رسوم أو مبالغ بانغ .
يدافع بانغ عن مهنته ويؤكد أنه يقوم بعمل جيد فهو يعيد الكرامة للموتى بعد أن تركتهم السلطات في المدينة تتعفن في النهر.يضع بانغ اللوم على سلطات بلده ويقول أن معدلات الانتحار في الصين تشهد ارتفاعاً ملحوظاً حيث بلغت 26 بالمئة العام الجاري حسب احصائيات منظمة الصحة العالمية .
كما يؤكد أن معظم الجثث تأتي من مقاطعة " قانسو" حيث توجد كبرى المصانع والشركات العالمية وناطحات السحاب التي شيدها فقراء المدينة، فبسبب ضغط العمل وساعاته الطويلة وعدم دفع الشركات الاجرة الشهرية للعمال يلجأ بعضهم للإنتحار للتخلص من حياتهم .
تلقي مهنة صيد الجثث اهتماماً متزايداً في وسائل الاعلام الصينية في الآونة الأخيرة، وتصف اصحاب هذه المهنة بـ " الذين يعيشون على الموتى "وقد تناول المخرج الصيني " تشو" هذه الظاهرة في فيلم سينمائي وثائقي من 52 دقيقة بعنوان " الشاطئ الآخر " يحكي فيه عن هذه المهنة في المجتمع الصيني وكيف اصبحت تجارة تدر الملاين على أصحابها .
وقال تشو لصحيفة "غلوبال تايمز " "أن هذا العمل كان تطوعي في السنوات الماضية حيث كان إعادة الجثث الى أهاليها عمل خيري ونبيل قبل أن تتغير الى عمل تجاري مربح".
وتنعكس على ضفاف النهر الأصفر في مقاطعة "قانسو" الصناعية الصورة المظلمة للاقتصاد والتنمية الصينية، حيث ساهم ايقاعها المتسارع بخلق أنشطة سوداء موازية تدر الملايين على اصحابها وتثير الكثير من الاسئلة عن مدى إنسانياتها .







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق