الجمعة، 8 نوفمبر 2013

حكاية طفل إسمه نكرة

"طوال تلك السنوات ، بذلت قصارى جهدك لكي تحطميني ، لكنني مازلت هنا . ويوماً ما سترين أنني سوف أجعل من نفسي شخصاً مهماً" . كانت تلك الكلمات إعلان دايف بيلزر استقلاله عن والدته ، والتي تجسد الاعتماد المطلق على الذات . إن قراء كتابي بيلزر : (الولد التائه) ، و (طفل اسمه نكرة) ، والذين يبلغ عددهم أكثر من مليوني شخص ، يعلمون أنه قد عاش لكي يروي قصته الشجاعة . ولكن حتى وبعد أن جرى إنقاذه ، فإن ذكريات السنوات التي كان فيها (نكرة) و (تائهاً) ومحطماً ومنكمشاً مازالت تطارده . وبينما يحاول دايف جاهداً لكي يحقق شيئاً مهماً في حياته ، يصمم على أن يواجه كل نكسة ويكتسب القوة من المحن . 
وُلد"دافيد جيمس بيلزر"في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا في 29 ديسمبر عام 1960 وقد نشر مذكراته عام 1995 بعنوان" طفل اسمه نكرة"وكان الابن الثالث للعائلة المؤلفة من خمسة أبناءويعيش الآن مع زوجته وأطفاله في ولاية أخرى،وتلك المذكرات  ليست من وحي الخيال..بل هي معاناه حقيقة عاشها.. وأن ديفيد بلزر صُنف أكثر أطفال العالم خبرة و تجربة للتعذيب..و الاكثر شهرة في مجال قضية تعذيب الطفولة..وملخص قصته: 
طفل لم يبلغ الحادية عشر..ينزل من سيارة شرطي.. حيث يشع النور في عينيه مختلطا بالخوف من المجهول حين ينقل له الشرطي كلمة واحدة: انطلق..فانت حر..

هنا تعود الذكريات كفيلم لذاكرة ديف.. الطفل..
عادت ذكرياته الى يوم كان لا يزال في الخامسة من عمره..حين كان في عطلة العيد على الجبال التي يغطيها الثلج الابيض., كانت هناك.. تماما كالملاك..أمه وهي ممرضة متمرسة.. جميلة جدا.. رقيقة جدا..حنونة جدا.. أما الوالد فقد كان رجل إطفاء شجاع يفخر ديفيد به حيث كان يلعب دور البطل في كل احلام ديف الصغير..فجاة تغير كل شي..
بدون سبب.. تحول الوالد السكير لرجل لا نفع منه.. أما أمه فقد تحولت الى وحش كاسر لا تفارق السيجارة يداها..لكن الجزء الأسوا هو عندما اصبح ديف..وهو الاكبر.. الضحية لكل هذا التغير..
لم يكن قد بلغ التاسعة عندما عودته امه النوم في المرآب دون تدفئة حيث تعلّم مع الوقت أن يلف الجرائد حول جسده ولا يتحرك لكي يكتسب جسده النحيل بعض التدفئة.. لكن ماذا عن الطعام.. طبعا لم يكن يُعد من العائلة..كان إذا إنتهت العائلة من تناول الطعام تأمره أمه بغسل الصحون.. و الانتهاء منها في أقل من نصف ساعة..هذا إذا أراد أن يحصل على الاذن بتناول بقايا الطعام.. أما اذا لم يتنهي فان تلك البقايا ترمى في سلة المهملات.. و التي كان يخطط ديفيد لسرقتها عندما يخيم السكون على المنزل..بعد منتصف الليل..في يوم من الايام إكتشفت الام السرقة,احضرته الى المطبخ : ايها اللص اللعين. اتظن انك ستفلت بفعلتك؟؟ ..ثم أحضرت علبة الامونيا و طلبت منه شرب ملعقة منها.. ظن الصغير ان الامر بسيط.. ملقعة صغيرة قد تنجيه من عذاب الركل و الصفع.. شربها ولم يدرك الاّ و فقاعة كبيرة تختقه مانعةًإياه من التنفس.. ظل يتلوى ولم يجد ملاذاً سوى وضع اصبعه في فمه عله يستطيع اخراج ملعقة الامونيا..و بصعوبة يعود ليتنفس من جديد...
ثم تدخله الحمام و تغلق عليه بعد ان تخبره بمعلومة صغيرة: اترى هذا البرميل الصغير. يحوي سائل الامونيا مع القليل من الكلور.. سمعت عنها في التلفزيون و أود تجربتها......تضحك ثم تقفل الباب.. وما هي لحظات حتى يملا المكان دخان ناتج من هذا التفاعل فلا يجد الصبي الذي اعتاد إيجاد أساليب للبقاء حيا وسيلة سوى ان يمتد على الارض وفمه في فتحه التهوية التي في ارضية الحمام حتى يستطيع ايجاد الاوكسجين الذي يبقيه على قيد الحياة.. وبعد ساعة تخرجه خوفا من أن يعود الاب فيكتشف الامر.. هنا تظن إن الاب ذو سلطة أو رفق بالولد.. لتكتشف فيما بعد إنه ربما كان يحب إبنه بطريقة ما.. لكن في نفس الوقت لا يحرك ساكنا..
خصوصا حين يتاخر ديف في غسل الصحون وامه تراقبه كذئب يود الانقضاض.. وهي تلوح بسكين المطبخ بيدها بينما يدها الاخرى تمسك بابنها الصغير بكل حنان..لحظات يتعالى صوتها و صراخها على ديف.. وما هي الّا ثواني وتراها ترمي إبنها ديف بالسكين لتصيبه بجرج اعلى المعدة.. تعالجه على عجل و تطلب منه إكمال التنظيف.. الاْب هنا لا يتدخل.. بل يغطي وجهه بالجريدة التي كان يقرأها في حين واجه إستغاثة ديف بخوف و جبن: لا تحدثني.. لو سمعتك والدتك فلن اسلم من صراخها.. عد و نفذ ما طلبت منك...أرجوك عد و اتركني..)

كان ديف يبدو بإستمرار بمظهر رث ومثير للشفقة وفي بعض الأحيان يضطر لسرقة طعام زملاءه في المدرسة من شدة الجوع فلذلك كان مضطهداً منهم .
ما إن دخل ديفيد الصف حتى سدّ زملاءه أنوفهم، وراحوا يسخرون منه، أما المعلمة البديلة، وهي امرأة شابة، فلوّحت بيديها أمام وجهها، لم تكن قد تعرفت على رائحته من قبل، ناولته ورقة الامتحان وهي تقف على مسافة منه، وقبل تمكنه من الجلوس في مقعده القابع في مؤخرة الصف بمحاذاة النافذة المفتوحة، إستُدعي ثانية إلى مكتب المدير، فأطلق الصف على مسمعه صوتاً أشبه بالنباح، هو في الواقع تعبير عن نبذهم له. أدخلته السكرتيرة ديوان الأساتذة فاتحة الباب، جلس إلى رأس الطاولة موضحاً أنه لم يسرق شيئاً اليوم. ارتسمت ابتسامة مكتئبة على وجوه الحاضرين، لم يكن يعلم أنهم كانوا على وشك خسارة أعمالهم لإنقاذه ثم طُلب منه أن يحكي للضابط عن أمه، أومأ برأسه رافضاً الإجابة، فالكثيرون يعرفون سره، وستعلم أمه لا محالة بما قد يقوله، وتناهى إليه صوت رقيق هدّأ من روعه هو صوت الآنسة موس، قالت له أنه لا بأس بذلك، خذ نفساً عميقاً، وراح يسرد لهم على مضض حكايته مع أمه، وطلبت منه الممرضة الوقوف، وأظهرت للضابط الندبة التي على صدره، فأخبرهم دون تردد أنها حادثة، وأن أمه لم تقصد طعنه، وفاضت عيناه بالدموع وبكى وهو يفشي لهم سره بأن أمه تعاقبه لأنه ولد شرير، كم ودّ لو يدعوه وشأنه،ولكن لم تهن عليه نفسه ، وهو يشعر أنه بعد انقضاء كل هذه السنوات، أن يعجز أي إنسان عن مساعدته،وبعد سماع قصته طلبت  معلمته نقله الى الحضانة وفعلاً تم نقله إليها عام 1973 وفي عام 1979 إنضم الى القوات الجوية حيث تخرج من كلية الطيران العسكرية ولاحقاً أصبح روائياً ويدعو  القراء للانضمام إلى رحلته ليكتشفوا ذلك الصبي التائه الذي لا إسم له ، وكيف وجد نفسه أخيراً في قلب وروح الرجل الذي أصبح حراً طليقاً . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق