إنها لافيتا أو إيفا, الفتاة الفقيرة و الابنة الغير شرعية التي ولدت في أحدى القرى الريفية في الأرجنتين, وهي نفسها التي أختارها الرئيس الأرجنتيني (خوان بيرون) زوجة له حين التقى بها وهي في 24 من عمرها في دار لدعارة وتزوجها, حيث كان قائدا للجيش الأرجنتيني آنذاك, وعملت بعد زواجهما ممثلة في الإذاعة الأرجنتينية وهذا ما جعلها تؤهل لتصبح المتحدث الرسمي باسم زوجها (خوان بيرون) وجعلها تكرس حب الشعب لها ففي هذا الفترة اجتهدت إيفا بتكثيف شعبيتها من خلال أعمالها ونشاطاتها, و ازداد هذا النشاط بعد تمرد العسكريين على زوجها القائد, فقامت بنشاطات بين الضباط وعمال المصانع فعدت لزوجها مكانته كقائد للجيش بل أكثر من ذالك فقد ساعدته زوجها للوصل إلى الرئاسة, بذالك أيقين أعداء (خوان بيرون ) على أن حكم بيرون لا يمكن لأحد الإطاحة به أو حتى إضعافه, و السر هو (السيدة الأولى) التي تربعت على قلوب الملايين.
فكانت ايفا بيرون تهتم بأدق تفاصيل الشعب و تقوم بزيارات مفاجئة للقرى تدخل بيوت الفلاحين والفقراء لتقدم لهم المواد الغذائية ولأطفالهم الحلوى، كما كانت تقوم بجمع و شراء الملابس الأوروبية وإعطائها لهم حتى وصل اهتمامها بهم إلى حد إغراق أطفالهم باللعب التي كانت تحصل عليها من جميع أنحاء العالم, فاشتهرت بأنها نصيرة الحفاة والعراة، لذلك لم يكن غريبا أن يحِبها الفقراء، وأن يطلقوا عليها اسم (سانتا إيفيتا) أو (القديسة إيفا الصغيرة) برغم ما تعرضت له من سخرية و استهزاء من قبل نساء الطبقة الراقية كونها أميّة وتربت في قرى ريفية فقيرة, إلا أنها مضت في مساعدة الفقراء والمساكين واستطاعت خلال فترة وجيزة تأسيس (صندوق إيفا للأعمال الخيرية) كما عملت على تسحين أوضاع المرأة وتأسيس حزب لها كانت رئيسة له عام 1949، وللمرة الأولى باتت المرأة الأرجنتينية مساوية للرجل في الحقوق السياسية والمدنية طبقاً للقانون 10.013 بمادته الثالثة، فعشقها الشعب الأرجنتيني بسبب حضورها السياسي والجماهيري الذي لم يتوقف حتى بعد أصابتها بمرض السرطان وضعف أركان (خوان بيرون).
وفي صبيحة 26 يوليو 1952عم الحزن على الأرجنتين بخبر وفاة نصيرتهم عن عمر لم يتجاوز 33 سنة، فأصيب شعب بحالة من الرعب وقام أحد الخبراء بتحنيطها على الفور, وكانت جنازتها تكتظ بالمشيعين والمحبين, حتى توفي (7) أشخاص سحقاً بالأقدام من شدة الزحام.
بعد وفاة إيفا وذكر سيرتها الخيرية, سقط حكم (خوان بيرون) عام 1955 قام الرئيس الجديد للأرجنتين (الجنرال لوناردي) بفتح قصور و بيوت الرئيس السابق فكانت المفاجأة الكبرى عندما شاهد الناس لأول مرة كيف كانت تعيش ايفا مع زوجها، ففي أحد القصور كان هناك (15) سيارة رياضية و(250) موتوسيكل و في قصر آخر تم العثور على ثروة هائلة قدرت بحوالي (10) ملايين دولار نقدا بالإضافة إلى مجوهرات ثمينة ومقتنيات غالية كلها جمعت من أموال الشعب!! حيث تم تهريبها إلى الخارج بعد أن تم تحويلها إلى حسابات سرية البنوك الأجنبية و أثبتت السلطات العسكرية الجديدة في (بوينس أيرنس) أن إيفا اختلست أموال المشاريع والمؤسسات الخيرية التي كانت تشرف عليها ..
ورغم أن السلطات قامت بعرض مجوهراتها وملابسها الباهظة الثمن على الفقراء والتي جمعتها من الأموال المخصصة لهم، فقد ظل الفقراء يحبونها، فكان الرد من الجميع الشعب : (نحن جميعاً ملك لإفيتا فلتأخذ ما تشاء ولتفعل ما تشاء ولكننا سنظل نحبها إلى الأبد ) و أقيم لها متحف يحمل أسم (إيفيتا) تصغيرا لأسمها الحقيقي إيفا, يعرض ملابسها ومجوهراتها ووثائق الرسمية لنشاطاتها وسيرتها السياسية.
مثلت قصة حياتها بفلم (إيفيتا) الشهير الذي قامت ببطولته المغنية الأمريكية الشهيرة (مادونا) بالإضافة إلى الأفلام وثائقية, و أغنية ( لا تبكي على أرجنتينا ..) التي غناها أكثر من فنان عالمي, ولا زالت ذكرى إيفا عن الناس حسنة، فربما الفقر الذي عاشته إيفا قبل زواجها جعلها محبة لتملّك ثروات كحبها لمساعدة الفقراء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق