هذا هو موسم الكاكاو في جميع أنحاء جنوب كوت ديفوار إيذانا ببدء موسم الجني بعد أن أصبحت القرون التي تحملها جاهزة للقطف مع تغيّر لونها من الأخضر إلى الأصفر تماما مثل الموز.
أما الأشجار التي تحمل الثمرات فتختلف عمّا نعرف من الأشجار، فشحنتها الثمينة لا تنبت على أغصانها وإنما تخرج من جذوعها.
إنه شهر أكتوبر/تشرين الأول. شهر مهمّ جدا من العام بالنسبة إلى المزارعين الفقراء في التجمعات الريفية والذين يسارعون الزمن لبيع حبوب الكاكاو. ولكنه أيضا مهمّ جدا لعشاّق الشوكولا لاسيما أنّ هذا البلد الاستوائي يصدّر للعالم ثلث حاجياته من الكاكاو.
وعلى مدى كوت ديفوار، ينمو الكاكاو في مزارع عائلية صغيرة لا تتجاوز مساحة أكبرها بضعة دونمات يتوارثها السكان جيلا غير جيل، حيث يتعين على الابن أن يكافح بصعوبة تماما مثلما كان يفعل والده.
لقد ورث جون هكتارين من الأرض عن والده الذي توفي عندما كان جون لا يتجاوز 11 سنة من العمر. والآن وهو في الثامنة عشرة من العمر، يبدأ عامه الثامن من العذاب.
تبدأ رحلة جون اليومية هذا الشهر مبكرا حيث يجمع حبات الكاكاو ثمّ يغلفها داخل كيس مهترئ ويعبئها خلف دراجته الهوائية المهترئة بدورها.
ومع تزايد الطلب العالمي على ما ينتج، تبدو حبات كاكاو جون ثمينة جدا لكبار مصنعي الشوكولا، ولكن أخذا بعين الاعتبار التضخم، فإنّ قيمتها المالية تراجعت كثيرا في العقود الأخيرة.
وقال جون "إنه أمر صعب. أنا شجاع ولكنني أحتاج للمساعدة حتى ألبي حاجة الأسرة."
ويعكس ما أبلغنا به جون سلسلة الإنتاج التي تتحكم بهذه الصناعة والتي يتحول فيها الكاكاو من حبوب إلى قضيب من الشوكولا، في دورة متعاقبة يكون فيها جون وحده الحلقة الأضعف.
تتشكل تلك الدورة من التجار والمصدرين والوسطاء وملاك المصانع وعمالها. وكلهم يطلبون هوامش أرباحهم ووحده جون يحكم عليه النظام بأن يكون الأقل استفادة.
وفي بلد يعمل فيه ما لا يقل عن 3.5 مليون شخص في هذه الصناعة لا يتجاوز الدخل السنوي الفردي 1000 دولار.
لطالما أقضّت عمالة الأطفال صناعة الشوكولا والكاكاو لعقود طويلة ورغم أنها أصبحت محط أنظار العالم في السنوات العشر الأخيرة، فإنها مازالت مع ذلك مشكلة دون حلّ. وربما من أسباب ذلك الثقافة المحلية التي أثر فيها الفقر المدقع الذي يميّز حياة التجمعات الريفية.
ورحبت بلدة زيبوياوكورو بفريق أرسلته شركة "نستله" التي تعد أكبر شركة إنتاج غذائي في العالم جاء ليطلع على واحدة من 23 مدرسة مولتها الشركة ضمن برنامج مساعدات، حيث أن وقف عمالة الأطفال وتسهيل دخولهم المدارس أصبح أفضل مقاربة لمساعدة القرى المنتجة للكاكاو.
وقال جوزيه لوبيز مدير العمليات الدولية في الشركة إنها تهدف إلى تعزيز معايير الحياة في هذه التجمعات التي تنتج الكاكاو بما يوفر مصدرا مستديما لتزويد الصناعة بحاجاتها.
ولطالما كانت كبرى شركات هذه الصناعة على غرار نستله هدفا لانتقادات بالفشل في تحمل مسؤولياتها في تحسين ظروف مزارعي الكاكاو.
وقال أنطوني فاونتن من مؤسسة Voice Network إنّ كبرى الشركات عندما تتحدث عن "تعزيز التحمّل" فإنما تشير إلى تحملها على مجاراة المنافسة والاستمرار في شراء الكاكاو مستقبلا" لكنه مع ذلك اعترف بأنّ هناك تقدم تم إحرازه مقارنة بالماضي.
أما فرانسوا إيكرا، الذي يملك سبعة هكتارات كاكاو في غانيووا والذي يرأس تعاونية البلدة التي تنتج سنويا 1200 طن من هذه المادة فيهدد بأنّ غالبية المزارعين قد يتوقفون عن هذه الزراعة قائلا "صناعة المطاط مجزية أكثر وهي مستمرة على مدى العام مقارنة بالكاكاو. السعر متدن والمجهود أكبر بكثير من المتوقع والأشجار مريضة ولم تعد هناك قدرة على التمويل والحكومة عاجزة عن المساعدة."
ومن الواضح أنّ كلام إيكرا يجد شرعية على أرض الواقع مع تنامي ظاهرة النزوح إلى أبيدجان.
وتشتري كبرى شركات الأغذية الأمريكية "كارجيل" نحو 20 بالمائة من حبوب الكاكاو التي نمت في كوت ديفوار، ومن ثم تقوم بتصديرها وهي خام إلى خارج البلاد حيث تسيلها لتصبح زيتا أو تجعلها زبدة أو مسحوقا، ثم يتم بيعها إلى المصانع التي تحولها إلى شوكولاتة.
في هذه المرحلة بالضبط، يكتسب الكاكاو قيمته المضافة، وفي هذه المرحلة بالضبط يفقد المزارع أي أهمية له في سلسلة الإنتاج ولذلك فإنه لا يتقاسم الأرباح.
وفي هذه القرى، يعكس الفقر الأسود المفارقة بين قضيب الشوكولاتة الذي نستهلكه والكاكاو الذي يقطفه هؤلاء المزارعون.
وفي تحقيقنا الذي أجريناه في بلدة كواديو ياوركو، تجمع ما لا يقل عن 200 مزارع ليرووا لنا قصصا مؤلمة عن ارتباط حياتهم بالكاكاو. ولم يأت أي شخص مصانع الشوكولاتة إلى هذه المناطق الفقيرة بل الأكثر إيلاما أنه ما من أحد من هذه القرى التي تنتج الكاكاو سبق له أن تذوّق طعم الشوكولاتة.
وأغلبهم لا يعرف ماذا يعني الاسم حتى يروا الشوكولاتة بأمهات أعينهم. ولما طلبنا من رجل طاعن في السن أن يتذوق شيئا من شوكولاتة "كيت كات" (التي تقول نستله إنّه يتم استهلاك 150 قضيبا منها كل ثانية) تلوى وتغيرت تقاسيم وجهه، ربّما عندما عرف ساعتها أن حياته تدور في فلك ذلك الطعم الغريب عنه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق