الاثنين، 10 فبراير 2014

لغز إختفاء أجاثا كريستي


 تعتبر (أجاثا كريستي) حالة نادرة بين أدباء القصة البوليسية وأي لون من ألوان الأدب على مستوى العالم، فلم يحظ كاتب ولا مؤلف بهذه الشعبية قط، ولا هذا الكم الهائل من عدد الطبعات التي طُبعت لها على مستوى العالم..
بل إن الإحصائيات تقول أن روايات (أجاثا كريستي) تم بيع 300 مليون نسخة منها باللغة الإنجليزية فقط، فما بالك ببقية لغات العالم، حتى أن الإحصائيات تقول بأنها باعت أكثر من مليار نسخة موزعة على 103 لغة على مستوى العالم.
وظلت (أجاثا كريستي) متربعة على عرش الرواية البوليسية في الأدب الإنجليزي والعالمي بدون أي مزاحمة من كاتب يتساوى معها في المقدار، اللهم إلا الرائع الإنجليزي سير (آرثر كونان دويل) بشخصيته الفريدة (شيرلوك هولمز) المخبر الإنجليزي العتيق، عاشق الكمان والرماية.
ولكن كاتبة الخيال البوليسي تعرضت لقصة أغرب من الخيال، حدثت لها في الواقع وشغلت الرأي العام البريطاني فترة من الزمن، ولكن قبل أن نخوض في القصة دعنا نخوض في جوانب القصة أولاً حتى نستطيع تجميع الأوراق كلها في أيدينا .. هذا إذا أردنا أن نحلل لغز ملكة التحليل البوليسي.
حياة زوجية غير مستقرة:
تزوجت (أجاثا كريستي) من الكولونيل (أرشيبالد كريستي) ومنه حملت اللقب الذي لازمها طوال حياتها، وذلك في عام 1914 حينما كان عمرها 24 عاماً، ومنه أنجبت ابنتها (روزلند). لم تكن حياتها مع الكولونيل (كريستي) هي الحياة التي تمنتها الشابة الحالمة (أجاثا)، فلم تجد معه الوفاق والتفاهم الذي كانت تبحث عنه مع شريك عمرها.
عبرت (أجاثا) عن هذا الأمر بقولها أنها كانت تفتقد إلى (الرفقة المشتركة) أو (الصحبة الزوجية)، وما زاد الطين بلة اكتشاف خيانة زوجها مع عشيقة له تصغره بعشر سنوات تُدعى (نانسي نيل)، فزادت معاناتها وخاصة أن زوجها لم يكن يعرف أنها عرفت بأمر هذه العلاقة.


اختفاء أجاثا كريستي:
في مساء الثالث من ديسمبر/كانون الأول عام 1926 غادرت (أجاثا كريستي) بيتها – في بيركشاير Berkshire – في سيارتها ولم تعد إليه .. وحينما بدأ البحث عنها في اليوم التالي، تم العثور على سيارتها في الحادية عشر صباحاً بين الأشجار، ولم يكن السائق موجود بالسيارة، ولا السيدة (أجاثا كريستي).
اختفت (كريستي) ذات الـ 36 عاماً بدون أن تترك خلفها أدنى أثر، وتحولت بين عشية وضحاها إلى حديث الصحافة المحلية في بريطانيا، والتي نشط بوليسها في البحث عنها وجمع الأدلة وعمل التحريات للوصول إلى سر اختفاء الكاتبة الصاعدة.
احتشد الصحفيين حول منزل (آل كريستي) يبحثون عن طرف خيط أو دليل يبرر اختفاء السيدة (كريستي) وبدأت الحقائق تتوالى عن الحالة النفسية التي كانت تحياها الكاتبة الموهوبة، فقد كانت تعيش في تعاسة مع زوجها، وما زاد من همها وفاة والدتها المفاجأة والتي أثرّت في نفسيتها كثيراً.
في اليوم التالي أجرت صحيفة Mail حواراً صحفياً مع زوجها تحاول أن تستشف منه أسباب اختفاء (كريستي)، فاعترف فيه أن زوجته أخبرته يوماً في لحظة من لحظات الخلاف أنها قادرة على الاختفاء في أي و قت.
وكادت الاتهامات تشير إلى الزوج الذي سيستفيد كثيراً بموت زوجته، لما له من علاقة مع عشيقته (نانسي) ولكن أخوه كامبيل، أظهر برقية استلمها من (كريستي) في اليوم التالي لاختفاءها بتوقيت العاشرة إلا الربع مساءاً وعليها ختم بريد لندن، هذا غير أن زوجها كان خارج المدينة في تلك الليلة، وهذا في الواقع سبب نفي وإثبات في نفس الوقت.
وعلى مدار 11 يوم كان اختفاء (أجاثا كريستي) كانت هو حديث الصحف والأخبار وحديث الناس في المنتديات الأدبية والعامة، وكانت التحريات نشطة للغاية في البحث عنها.


الظهور العجيب:
في 14 ديسمبر/كانون الأول من نفس العام – أي بعد 11 يوم من الاختفاء العجيب – شوهدت (أجاثا كريستي) في أحد فنادق هاروجيت Harrogate في يوركشاير من قبل الشرطة، التي قامت على الفور بالاتصال بزوجها لتخبره عن نبأ ظهور زوجته المفاجيء في ذلك الفندق.
سارع الزوج الملهوف بالسفر إلى حيث كانت، وفوجيء بزوجته بحالة جيدة تضحك وترقص وتلعب البلياردو وتتابع أخبار اختفاءها في الصحف بلا شغف.
العجيب هو تعليق مدير الفندق الذي رأى لحظة التقاء الزوجين، فقد بدا له وكأن (أجاثا كريستي) تراه لأول مرة، أو كما قال: “أنها نظرت إليه نظرة من يعرف الشخص ولكن لا يتذكر اسمه” وصرّح زوجها على الفور إثر اكتشاف هذه الحالة للصحافة بأن زوجته تعاني من فقدان ذاكرة قائلاً: “إنها تعاني أسوأ أنواع فقدان الذاكرة، وأعتقد أنها تجهل تماماً من هي”.
أيضاً من الأشياء العجيبة في حادثة اختفاء (أجاثا كريستي) هو أنها في وقت اختفاءها كانت ترتدي ثوباً رمادياً بسيطاً، ولم يكن معها نقود كافية، ولكن حينما ظهرت كانت تؤجر غرفة في الفندق بسبعة جنيهات أسبوعية، وكانت ترتدي ثياباً أنيقة وتحوي حقيبتها ما يزيد عن 300 جنيه استرليني وقد أخبرت إدارة الفندق أنها سائحة من جنوب أفريقيا.
عادت الكاتبة البوليسية الأشهر عبر التاريخ إلى بيتها وحياتها، التي لم تستمر طويلاً مع زوجها، إذ حصلت على الطلاق، وبدأت حياة جديدة بعدها بفترة قصيرة حينما تزوجت السير (ماكس مالون) عالم الآثار عام 1930 لتبدأ حياة جديدة مفعمة بالكثير من الروايات التي خلبت لب الملايين حول العالم.


التفسيرات المحتملة:
لاختفاء (أجاثا كريستي) العديد من الاحتمالات التي شاعت حولها وكانت متفرقة كالتالي:-
1- هذه محاولة من (أجاثا كريستي) لإثارة ذعر زوجها حتى تشعره بالتهديد وأنها تستطيع أن تورطه في جريمة اختفاءها، أو كي تلهيه عن عشيقته (نانسي نيل)، أو كي تفضحه وتفضح علاقته بعشيقته للعالم أجمع.
2- هذا الاختفاء مجرد محاولة من (أجاثا كريستي) للفت الإنتباه إليها ونيل الكثير من الشهرة مما يؤدي إلى ترويج رواياتها أكثر وزيادة مبيعاتها أكثر وأكثر.
3- (أجاثا كريستي) تعرضت لفقدان ذاكرة فعلي نتيجة الصدمة المزدوجة التي تعرضت لها بخيانة زوجها لها ووفاة والدتها، فلجأ عقلها الباطن إلى إحدى حيل الإنقاذ، وهي فقدان الذاكرة، وعلماء النفس يفسرون هذه الفرضية بصورة أفضل منا بكثير.
4- (أجاثا كريستي) فقدت ذاكرتها بالفعل وارتكبت أفعال مشينة خلال هذه الفترة، وهذا ما يبرر المال الوفير الذي كان معها حينما اكتشفوها مرة أخرى على الرغم من أنه المفروض أنها فقدت الذاكرة ولا تملك أي نقود، وأيضاً لأنها رفضت أن تدلي بأي حديث صحفي حول الفترة التي اختفت فيها.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق