يعدّ الكاتب النرويجي كنوت هامسون (4 أغسطس 1859 - 19 فبراير 1952) واحدا من أعظم الكتاب الذين عرفهم العالم خلال القرن العشرين. ولا تزال روايته «الجوع» تعتبر من الروائع الأدبية في القرن المذكور.
ينتمي كنوت هامسون الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1920، إلى عائلة ريفية فقيرة، وقد عاش طفولة قاسية في رعاية عمه الذي كان ينتمي إلى الحركة التقوية» (حركة دينية نشأت في ألمانيا في القرن السابع عشر واكدت على دراسة الكتاب المقدس وعلى الخبرة الدينية الشخصية – المنهل).
بعد أن مارس العديد من المهن الوضيعة لكسب قوته، سافر إلى بلاده بسبب المرض الذي أصابه في غربته. بعد شفائه سافر من جديد إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد سمحت له هذه الاقامة الثانية بالتعرّف على الحياة الأمريكية في جميع جوانبها. واعتمادا على ذلك أصدر عام 1889 كتابا حمل عنوان «الحياة الثقافية في أمريكا الحديثة» ثم نشر في السنة التالية «1890» مقالا بعنوان: «الحياة اللاواعية للروح» وفي الكتاب المذكور- كما في هذا المقال- هاجم بحدة «المادية الأمريكية الصاخبة».
في بلاده ألقى العديد من المحاضرات في العاصمة اوسلو، وفي المدن النرويجية الأخرى حول نفس الموضوع معتبرا «المادية الأمريكية» ضدّ الإنسان وضدّ الطبيعة وأن الديمقراطية في بلاد «العم سام» مزيّفة. وفي محاضرته هاجم كنوت هامسون الكاتب النرويجي الكبير ابسن، مندّدا ب «أخلاقيته العرجاء». وكان كنوت هامسون يؤمن بأن البشر درجات، وأنهم ليسوا متساوين في الذكاء، لذا كان يقول بأنه ينتمي إلى ما كان يسميه ب « ارستقراطية الحس والذكاء» وفي كتاباته حاول الدفاع عن أفكاره. وقد جاءت لغته موسيقية، متدفقة وقادرة على أن تلتقط حتى التفاصيل الدقيقة.
في عام 1890، أصدر كنوت هامسون روايته «الجوع» التي حققت له شهرة عالمية واسعة. وفي هذه الرواية يدين «الحضارة المادية» وجميع مظاهرها التي «لوثت الحياة الإنسانية» وجعلتها «غير محتملة». وهذا ما فعله أيضا في جل الروايات التي أصدرها خلال مسيرته الابداعية الطويلة. أثناء الحرب العالمية الثانية، ناصر النازية، واعتبر ان هتلر قادر على أن «يقيم في ألمانيا مجتمعا جديدا، متحررا من كل الأمراض التي جلبتها الحضارة المادية».
وقد أصيب كنوت هامسون أكثر من مرة بنوبة عصبية حادة, وفي أواخر حياته اشتدت عليه هذه النوبات حتى لم يعد يعي ما يقول وما يفعل.
في كتابه: «كنوت هامسون، الحالم والغازي» يضيء النرويجي « انغار سلاتن كولو» جوانب جديدة في حياة صاحب رائعة «الجوع» ويشير إلى أن بعض أفراد عائلة هذا الكاتب كانوا مصابين بالعفة والجنون. كما يشير إلى أن السنوات القاسية التي عاشها في طفولته وفي سنوات مراهقته وشبابه, تركت في نفسه جروحا لم تبرأ حتى عندما تقدمت به السن, وحصل على شهرة عالمية كبيرة. وكان شديد الاعجاب بنيتشه وأيضا بالكاتب السويدي ستراندبارغ. في روايته «فيكتوريا» كتب عن الحب حيث يقول: «ولكن ما هو الحب بالضبط؟ هل هو ريح تداعب شجرة الورد؟ لا إنه شلة تسيل في عروقنا وهو موسيقا جهنمية ترقص حتى قلوب الشيوخ وهم على حافة القبر!». يقول «انغارسلاتن كولو» إن كنوت هامسون كان فخورا بجذوره الريفية، وكان يتباهى بها أمام الجميع، بل انه حاول في جميع ما كتب أن يبتكر ما كان يسميه ب «الرومانسية الزراعية» المضادة لصخب المدينة الحديثة وللحضارة المادية, وعندما صعد النازيون إلى السلطة في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي, راح كنوت هامسون يحثهم على ضرورة حماية النرويج من «الخطر البريطاني» وحين اندلعت الحرب الكونية الثانية، حرّض أهل النرويج على مناصرة النازيين. لذلك لم يتردّد في أن يلتقي بغوبلس وزير الدعاية النازية كما أنه التقى بادولف هتلر. وعندما سقطت النازية، وانهارت الدولة التي أقامتها وانتحر زعيمها: قال كنوت هامسون ممّجدا «الفوهر»: «لقد كان مُصلحا استثنائيا ومصيره التاريخي جعله يصطدم بفترة تاريخية اتسمت بعنف لا مثيل له. وهذا العنف هو الذي كان سببا في سقوطه».
بعد نهاية الحرب الكونية الثانية، حوكم واودع مصحة الأمراض العقلية, وهناك كتب نصا للدفاع عن نفسه وعن أفكاره حمل عنوان: «على الدروب حيث ينبت العشب».
وفي السنوات الأخيرة من حياته، عاش كنوت هامسون العزلة, وكان أهل بلاده يتعاملون معه كما لو أنه «خائن للوطن». أما الروايات التي ألفّها فلا تزال إلى حد هذه الساعة تفتن الملايين من القراء في جميع أنحاء العالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق