عاش انسان ما قبل التاريخ في مرتفعات تصل الى 4500 متر في جبال الانديس قبل 12 ألف عام، أي في مرحلة أقدم مما كان العلماء يظنون حتى الآن، بحسب ما اظهرت دراسة نشرت في الولايات المتحدة.
فقد عثر باحثون في موقع أثري في منطقة بوكوتشو جنوب البيرو على ارتفاع يراوح بين 4355 و4480 مترا، على ادوات حجرية تعود إلى أكثر من 12 ألفا و800 سنة.
واوضح الباحثون في الدراسة المنشورة في مجلة "ساينس" الأميركية ان مسكنين صخريين على ارتفاع 4480 مترا، عثر فيهما على "ادوات واغراض ما تزال بحالة جيدة" تعود الى 12 ألفا و400 سنة.
ويعتقد العلماء ان هذا الموقع كان مأهولا بالسكان في حقبة تراوح بين 12 ألفا و400 سنة الى 11 ألفا و500 سنة.
وبذلك يكون الإنسان القديم قد استوطن المرتفعات العالية في وقت اقدم بنحو ألف سنة مما كان العلماء يظنون. وهذا الموقع هو أعلى موقع يعثر فيه على آثار بشرية تعود لحقبة ما قبل التاريخ.
ورغم درجات الحرارة المنخفضة، واشعة الشمس القوية وانحسار نسبة الاوكسجين في الجو، فان تلك الشعوب القديمة التي كانت تعتاش على الصيد وجمع الثمار استوطنت المرتفعات القاسية والمعزولة، بعد اقل من ألفي عام على وصول أول جماعة بشرية إلى أميركا الجنوبية. واستنتج العلماء ان هذه الجماعات البشرية كانت تقتات على اللحوم، وذلك بعد العثور على عظام لانواع حيوانات عدة في المواقع التي كانت تضم تجمعات سكنية.
ومعظم الادوات الحجرية صنعت من الصخور المحلية، وهي تؤشر الى وجود انشطة صيد وتقطيع للحم الفريسة.
وكانت هذه الادوات الحجرية الحادة تستخدم ايضا في صناعة الثياب والاغطية والحقائب، بحسب سونيا زاريو عالمة الآثار في جامعة كالغاري الكندية وإحدى المشاركات في الدراسة.
وتقول سونيا زاريو "لا نعلم بعد ما اذا كانت تلك الجماعات البشرية تستوطن المكان على مدار العام، الا ان الادوات الحجرية المعثور عليها تدل على انهم لم يكونوا يأتون الى هذا الموقع فقط للصيد لايام معدودة، بل كانوا يقيمون هنا لاوقات طويلة".
وتضيف "ربما كانت عائلات تقيم هنا، نظرا للانشطة العديدة التي كانت تمارس في الموقع".
ويرجح الباحثون ان سكان هذه المرتفعات كانوا ينزلون الى السهل للتواصل الاجتماعي مع جماعات اخرى، ولجلب بعض النباتات التي لا تنمو على ارتفاعات عالية.
وتشير نظرية علمية شائعة الى ان السكن في المرتفعات ليس ممكنا ما عدا للجماعات المتكيفة جينيا على العيش في هذه الظروف. ويمكن ملاحظة هذه الخاصيات الوراثية عند شعوب مثل سكان الانديس اليوم.
ومن هذه الخاصيات، سرعة الاستقلاب الغذائي، والقدرات الرئوية العالية، وتركز اكبر للكرويات الحمراء بشكل يتيح تعويض النقص في الاكسجين في الجو.
ولا يعرف العلماء بعد ما اذا كان هؤلاء السكان هم من بدأوا بسكن المرتفعات قبل 12 ألفا و400 سنة فتعدلت خاصياتهم الوراثية، ام انهم ورثوا هذه الخاصيات عن اسلاف لهم سكنوا الجبال من قبل.
وقال كورت ريدمايكر استاذ علم الانتروبولوجيا في جامعة ماين (شمال شرق) "ان دراسة التكيف البشري مع البيئات القاسية مهم جدا لفهم مدى قدرة الانسان على التكيف الثقافي والوراثي مع التغيرات وقدرته على الصمود".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق