الأربعاء، 6 أغسطس 2014

الزينوغلوسيا: ظاهرة اللسان المتبدل


في حالات كثيرة سجلت عن افراد من المجتمع راحوا يتحدثون فجأة بلغة غريبة لم يعرفوها من قبل، وكان ذلك يحدث احيانا بشكل عفوي خلال خضوعهم لجلسات التنويم المغناطيسي (الإيحائي) أو في إحدى حالاتالوعي البديلة كالغيبوبة او النوم. 
ويتمثل ذلك بنطق بضعة كلمات يتحدث بها الشخص ثم لا تلبث ان تختفي من ذاكرته تماما، وفي حالات اخرى يصبح الشخص قوي اللسان بهذه اللغة، ومما يدعو للاستغراب هو وجود مزاعم عن عدد من الاشخاص كانوا قد نطقوا بلغات قديمة انمحت عن وجه الارض، ولا يألفها الا العلماء في مجال الاثار والحضارات القديمة، هنا نتكلم عن ظاهرة ما ورائية تدعى " زينوغلوسيا/ Xenoglossia".
يرجع اصل مصطلح "الزينوغلوسيا" إلى اللغة الإغريقية " اليونانية القديمة" وهي كلمة تتركب من جزئين: الاول "زينوس xenos" ويعني الامر الغريب او الاجنبي، والثاني هو "غلوسيا glossa" ويعني اللغة او اللسان وبالتالي يصبح معنى الكلمة المركبة " لغة غريبة".
الاعتقاد المسيحي:
نجد من الامثلة عن "الزينوغلوسيا" لدى الحركة الدينية الخمسينية التي تعتقد بأن جميع المسيحيين بحاجة لأن يعيشوا اختبارا فريدا لكي يكونوا مسيحيين فعلا، ويسمى هذا الاختبار بـ "معمودية الروح القدس"، ويجب ان يكون مطابقا لما عاشه رسل المسيح الاثنا عشر بحسب ما ورد في الكتاب المقدس، عندما حلت عليهم الروح القدس في اليوم الخمسين لصعود المسيح للسماء (يوم العنصرة). وكان حلول الروح عليهم جليا من خلال عدة علامات ابرزها: التكلم بألسنة مختلفة، والتنبؤ، وشفاء المرضى، ويعتبر ذلك هبة روحية من الله.
دراسات وابحاث:
توجد في العالم الالاف من حالات "الزينوغلوسيا" المعروفة الموثقة وغير الموثقة، والمئات من هذه الحالات تم توثيقها في دراسات علمية مختلفة، وذكرت فيها لغات منقرضة من الاف السنين، ولغات اخرى من جميع انحاء العالم! لكن وعلى الرغم من هذه الدراسات المكثفة، فم يتوصل العلم الى تفسير نهائي بالاعتماد على المنطق العلمي التقليدي، ومن هذه الحالات نذكر:

1. التكلم بلغات حية:

قام الدكتور "إيان ستيفنسون" أحد اكثر الاكاديميين احتراما في الولايات المتحدة بتخصيص دراسة بحثية تتناول هذه الظاهرة، وتعتبر إحدى اهم الدراسات التي تناولت هذا الموضوع، وألّف عام 1974 كتابا حمل عنوان " زينوغلوسيا" ذكر فيه حالات كثيرة موثقة، كان من اغربها تلك الحالة التي اظهرتها سيدة امريكيا بعمر 37 سنة، فأثناء تنويمها مغناطيسيا قامت بتغيير نبرات صوتها تمام وتحول صوتها الى صوت رجل، وحدث أن تكلمت باللغة السويدية بطلاقة، وبعد ان استيقظت من جلسة التنويم المغناطيسي نسيت كل شيء وعجزت عن لفظ أي حرف من اللغة السويدية. 
انشغل الدكتور "ستيفنسون" بهذه الحالة تحديدة مدة ثماني سنوات،وراح يدرس في علم اللغات والتكلم بنبرات مختلفة، وقد استعان بالعديد من الخبراء والمتخصصين لمساعدته للتوصل إلى تفسير علمي يقدم الجواب المناسب على سؤال محير وصعب:" كيف يمكن لنبرة أنثى أن تتحول إلى نبرة رجل؟!".
في حالة اخرى لا تقل غرابة عن حالة السيدة الامريكية انشغل الدكتور "ستيفنسون" بحالة لسيدة هندية تدعى "أوتار هودار" كانت بعمر 32 سنة عندما تحولت شخصيتها الى شخصية ربة منزل متزوجة من البنغال الغربية، عاشت هناك في القرن 18، وراحت تتحدث باللغة البنغالية بدلا من لغتها الاصلية الحالية (الماراثية)، وكانت تصيبها هذه الحالة لفترات تتجاوز اسابيع عديدة احيانا، وقد يضطرون في بعض الاوقات الى تكليف اشخاص بنغاليين كي يساعدوا هذه المرأة على التواصل مع عائلتها، وكانت تلك الحالة قد ذكرت في مجلة "المجتمع الأمريكي للابحاث الوسيطية" إصدار شهر تموز 1980.
أما الباحث " ليال واتسون" فقد وصف إحدى الحالات الغريبة التي ظهرت لدى فتى هندي بعمر 10 سنوات من هنود الإيغاروت الساكنين في وادي كاغايون في الفلبين، هذا الفتى لم يسمع او يألف أي لغة سوى لغته، لكنه في حالات معينة وخلال نوبات يدخل في شبه غيبوبة، ويبدأ التكلم بلغة الزولو (لغة جنوب افريقية) بطلاقة! ومن المستحيل ان يكون قد تعلم الفتى هذه اللغة في حياته. وقد تعرف "واتسون" عليها لانه قضى فترة من حياته في جنوب إفريقيا.

2. التكلم بلغات قديمة أو منقرضة:
إن بعض الاشخاص وكما ذكرنا مسبقا وفي حالات النوم المغناطيسي أو غيرها من حالات الوعي البديلة، بالتكلم بلغات قديمة جدا لم تعد مستخدمة في هذا العصر واصبحت مقتصرة فقط على علماء الاثار والانثروبولوجيا، من هذه الحالات تلك التي درسها الدكتور "مويس نثرتون" والتي تمثلت بقدرة فتى اوروبي اشقر وذو عينان زرقاوان على التحدث بلغة صينية قديمة جدا خلال جلسة تنويم مغناطيسي، وقد سجل الطبيب صوت الفتى في شريط كاسيت واخذه الى بروفيسور في علم الدراسات الاستشراقية في جامعة كاليفورنيا بهدف معرفة نوع هذه اللغة التي تبين انها اللغة الصينية التي مضى على انقراضبها اكثر من الف عام!
وفي عام 1990 قام الطبيب النفسي الاسترالي " بيتر رامستر" بتوثيق العديد من الحالات المدروسة بعناية في كتاب حمل عنوان : "البحث عن اجيال سابقة"، ووردت فيه حالة لسيدة استرالية تدعى "سينيثيا هاندرسون" التي لم تتعلم اللغة الفرنسية سوى لمدة شهور قليلة في الصف السابع، لكن وخلال تنويمها مغناطيسيا استطاعت ان تتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة مع احد الفرنسيين الاصليين! وقد علق هذا الفرنسي على طريقة كلامها بأنه صافٍ ولا يتخلله أي لغة انجليزية! وأنها قد استخدمت الفاظا ومصطلحات فرنسية تعود للقرن 18!
ذكر الدكتور "جويل ويتون" حالة السيد "هارولد جورسكي" الذي وخلال نومه المغناطيسي كتب 223 كلمة ومقطع تعود الى زمن الفايكنج! وتعرف الخبراء على عشرة من هذه الكلمات واستنتجوا انها لغة قديمة كانت تستخدم في الدول الاسكندنافية، اما باقي الكلمات فكانت من روسيا وصربيا واللغة السلافية! وجميع هذه اللغات تحدثت عن البحر والسفن والرحلات البحرية!
في احدى دراسات " مجتمع البحوث الوسيطية" ذكرت حالة مع فتاة بريطانية تدعى "روزماري" عام 1931، راحت تتكلم اللغة المصرية القديمة، حيث اتخذت شخصية فتاة مصرية تدى "تيليكا فينيتو" عاشت في مصر عام 1400 قبل الميلاد، وتمكنت من كتابة 66 فقرة باللغة الهيروغلوفية، وذلك امام المتخصص في علم الاثار المصرية البروفيسور" هاورد هيوم"، استطاعت الفتاة التكلم بطلاقة بلغة لم تستخدم منذ الاف السنين، ولم تكن مألوفة سوى بين مجموعة قليلة من الأكاديميين المتخصصين في الحضارات القديمة!

3 . تعدد شخصيات وتقمص:
في عام 1977 اكتشف الاطباء في السجن الاصلاحي الواقع في ولاية "اوهايو" الامريكية أن "بيلي موليغان" وهو احد السجناء، متلبس بشخصيتين مختلفتين عن شخصيته الاساسية، وكل من الشخصيتين الغريبتين لها لغتها الخاصة بها، فعندما تتمكن احدى الشخصيتين من زمام الامور يصبح اسم السجين "عبدالله" ويبدأ التكلم باللغة العربية ويكتبها باتقان، وعندما تستلم الشخصية الاخرى زمام المور يصبح اسمه "روغين" ويبدأ بالتكلم باللغة الكرواتية والصربية!
الفتاة الامريكية "لورانسي فيوم" كانت بعمر 14 سنة عندما تحولت شخصيتها الى شخصية "ماري رولف" ابنة الجيران والتي توفيت عندما كانت بعمر 19 سنة، وقتئذ كان عمر "لورانسي" 5 اشهر فقط، عاشتي عائلتي الفتاتين بعيدا عن بعضهما الا في فترة قصيرة سكنا بها في حي واحد، لكن "لورانسي" بشخصيتها الجديدة ادعت بأن عائلة " رولف" هم والديها! وقد تعرفت على جميع اصدقاء عائلة "رولف " وأقاربهم، وقامت بتسميتهم فرداً فرداً بشكل صحيح ودون أي اخطاء، وعرفت عنهم تفاصيل دقيقة لا يمكن معرفتها بوسائل طبيعية، وذكرت احداثا دقيقة حصلت في حياة "ماري رولف" ودامت هذه الحالة لمدة 4 شهور تقمصت خلالها "لورانسي" بشخصية "ماري رولف" تماما!
وقد عرفت حالات كثيرة مشابهة لما سبق في الوسط الطبي خاصة الطب النفسي، وسمى الاطباء هذه الحالة بانفصام الشخصية (الحادة) لكن يبدو انها غير ذلك.

4. وسطاء روحانيون:
كانت الوسيطة الروحانية "بيرل كورغن" من سانت لويس شبه جاهلة وغير مثقفة، لكنها استطاعت كتابة القصص والروايات بلغة انجليزية فصحى، وكتبت 60 رواية ومسرحية وقصيدة بالاضافة الى ملحمة شعرية مؤلفة من 60 الف كلمة!
ويذكر ان الوسيط الروحاني الامريكي "جورج فالنتاين" نطق خلال جلساته الروحانية بكل من اللغة الروسية والألمانية والأسبانية والويلزية (ويلز البريطانية)!
اما الوسيط الروحاني البرازيلي "كارلوس ميرابيلي" فقد تحدث وكتب بأكثر من 30 لغة مختلفة بما فيها اللغة السورية (بلهجة سورية دمشقية) وكذلك اليابانية، و تم كل هذا بحضور مجموعة من العلماء والباحثين وجمهور غفير مؤلف من 5000 شخص!
صلة بالمس الشيطاني:
لطالما اعتبرت هذه الظاهرة (التكلم بلغة غريبة او نبرة صوت مختلفة عن الصوت المألوف بشكل عفوي خلال جلسات طرد الارواح التي يشرف عليها شيخ او راهب او معالج روحاني) احد خصائص المس الشيطاني أو الاستحواذ.
خلال الاستحواذ تشهد شخصية ضحية المس المزعوم تبدلا غامضا فتختفي شخصيته لتحل مكانها شخصية اخرى غريبة تختلف تماما عن شخصيته الاصلية، كان المس الشيطاني اعتقادا راسخا بقوة في طريقة تفكير القدماء قبل وضع دعائم علم النفس والطب النفسي الذي اعتبره حالة من الفصام الذهني (الشيزوفرينيا) او شكلا من الهستيريا او الانهيار العصبي، لكن مازالت اصداء ذلك الاعتقاد منتشرة في المجتمعات الحالية، خصوصا في المجتمعات العربية والاسلامية وهذا ما تؤكده نسبة التجارب الواقعية فيها، حيث غالبا ما تتوجه اصابع الاتهام الى الجن او الشياطين في عدد كبير من الحالات النفسية ومنها الصرع. (اقرأ عن الباراسايكولوجي ومتاهة المس الشيطاني).
رأي المتشككين:
يرى المتشككين بظاهرة "زينوغلوسيا" ان الشخص الذي نطق بلغة غريبة سبق له ان تعلمها خلال فترة من فترات حياته، لكنه أخفى هذه الحقيقة مما ضلل الباحثين، ولهذا فقد التزم الباحثون بالدقة والانتباه الشديدين خلال دراساتهم المختلفة لكي يتجنبوا كل العوامل التي تدعم تفسير المتشككين بالاضافة الى التفسيرات التي تبناها المتشككون مثل الخداع والكيبتومنيزيا تبنوا ايضا عنصر التخاطر والوراثة الجينية.
ومع ذلك لم تظهر اي دراسة موثقة حتى الان تذكر اشخاصا استطاعوا تعلم لغة غريبة عنهم بواسطة التخاطر، ومن ناحية الوراثة الجينية لا يمكن لأحد أن يربط بين لغة صينية منقرضة منذ الاف السنين بفتى اوروبي مما يجعله يتكلمها بطلاقة، اعتمادا على الوراثة الجينية.
عرف خلال التاريخ بشكل دائم ان هناك تواصل مع كائنات غيبية تختلف اوصافها وطبيعتها ومسمياتها تبعا لاختلاف الثقافات او منظومة المعتقدات لدى القبائل والشعوب، فكل ثقافة تميزت عن غيرها ليس فقط بكائناتها الغيبية او الاسطورية ولكن ايضا تميزت بالتقاليد التي تحكم التعامل معها.



































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق