وقد شكلت حياة تولكين فى جنوب افريقيا ثقافته ومعتقداته التى اثرت بشكل او باخر على رواياته فيما بعد.
فعلى سبيل المثال تعرض تولكين فى صباه الى لدغة عنكبوت سام كادت تودى بحياته وهو فى الثالثه من عمره لتمنحه هذه اللدغه خوفا مرضيا من العناكب شخصه تولكين فى مواجهة بطله ( فرودو ) فى الجزء الثالث لعنكبوت ضخم كما ان الطبيب (ثورتون كويمبى ) الذى عالجه من اللدغه هو من اوحى له بشخصية (جاندالف) الساحر الذى سنراه فيما بعد فى ثلاثية سيد الخواتم.
وبعد هذه الحادثه بفتره بسيطه توفى ارثر والد رونالد وعادت مايبل الى انجلترا بصحبة طفليها لتبدأ معانتها فى تربية الطفلين والتى تضاعفت اثر مقاطعة اسرتها لها بعد اعتناقها الكاثوليكيه عام1900 فقررت عائلتها البروتوستانتيه مقاطعة مايبل مما اضطرها للعمل كى تنفق على صغارها وعلى نفسها
ولكن عملها لم يمنعها من رعاية طفليها كما يجب وخاصة انها لاحظت ذكاء متوقدا من طفلها جون ونهما دائما الى المعرفه فقامت بتعليمه اللاتينيه حتى اتقنها وغرست فيه حب النباتات والاشجار الامر الذى سنلاحظه جليا فى كتاباته .. ولكن معاناة مايبل لم تدم طويلا فقد رحلت مايبل متأثرة بالاعراض الجانبيه لمرض السكرى الذى لم يكن علاجه بالانسولين قد اكتشف بعد وذلك فى عام 1904 لتنتقل مسؤلية رعاية جون الى الاب( فرانسيس زافير مورجان) الذى لم يرزق باطفال فاعتبر جون ولده واكمل تعليمه على احسن ما يكون.
وتزوج جون ( اديث مارى برات ) عام1916 بعد قصه حب وتضحيه عنيفتان اذ ان اديت كانت تنتمى الى اسره بروتستانتيه وقد اعتنقت الكاثوليكيه من اجل جون وتزوجا ولكنه فى السنة نفسها التحق بالجيش كضابط اتصالات.
وخاض الحرب العالميه الاولى وشهد بنفسه موت كل اصدقاءه واصابته هو نفسه مما نتج عنه عودته الى بريطانيا وكى يتغلب على احزانه بدأ فى الكتابه لتولد حكاية ( الارض الوسطى ) الاولى على فراشه بالمستشفى تلك الحكايات التى جمعت فيما بعد فى كتاب ( كتاب الحكايات المفقوده ـTHE BOOK OF LOST TALES) بجزأيه .
وخرج جون من المستشفى وعمل فى المعسكرات ولكنه لم يتغلب على اكتئابه الى ان بادرت زوجته الى اخذه فى رحله الى الغابات حيث رقصت له رقصه مرحه لتخرجه من اكتئابه وتوحى له ( بلقاء بيرين ولوثيان ) الشهير فى رواياته فيما بعد حتى انه اسمى زوجته ( لوثيان ) وبقى معها هذا الاسم الى نهاية عمرها .
وانتهت الحرب العالميه الاولى وانتقل بعدها جون ليعمل فى جامعة اكسفورد كاسناذ للغه الانجلو سكسونيه وساهم فى صناعة قاموس اكسفورد الشهير وتأليفه
كما انه اسس مع صديقه ( سى اس لويس ) جماعه من الكتاب والشعراء كانوا يقضون سهراتهم معا فى تلاوة مؤلفاتهم على بعض وقد لاقى جون كل الدعم والتأييد من اصدقاءه وخاصة لويس الذى خرج علينا هو نفسه فيما بعد بروايه ( نارنيا ) الشهيره .
انجبت اديث لجون اربعة اطفال تعلق بهم جدا ثم وفى احدى الليالى فكر تولكين فى حكاية يقصها على ابناءه قبل النوم ليبدأ العمل فى رواية الهوبيت التى اصبحت المدخل لعالم كامل من الفانتازيا.
الامر الذى يذكرنا بالرائعه (رولينج) التى كانت تفكر بروايه ترويها لابنتها قبل النوم فخرجت الينا بعالم ( هارى بوتر).
ومن المعروف ان تولكين بدأ فى تشكيل عالمه منذ زمن طويل الا ان رواية الهوبيت كانت تمثل له تحديا كبيرا وخاصة انها موجهه للاطفال الذين لا يمكن الجزم ابدا هل ستروقهم ام لا ؟ كما انها اول روايه متكامله تدور فى عالمه الذى عاش فيه طويلا .
وهكذا بدأ تولكين فى كتابة روايته ببطء شديد محافظا على عادته فى مراجعة ادق التفاصيل محاولا ان يقدم روايه ممتعه من ناحيه ومن ناحيه اخرى ان يحقق امنيته فى صنع عالم من الاساطير يعوض به بريطانيا التى لم يكن فى ارثها الثقافى مثيلا له من قبل قط.
بدأت الروايه بجملة (يحكى انه بحفره فى الارض كان يسكن احد الهوبيت ........) ولكنها لم تنته الا وقد قدمت للقارئ عالما يعيش فيه الهوبيت والاقزام والجن والسحره والتنانين واللغات المخترعه والخرائط المرسومه ومئات التفاصيل الاخرى التى مر عليها تولكين مرور الكرام والتى تؤكد ان هناك المزيد والمزيد وهذا المزيد لن يأتى الا لو نجح فى اخطر اختبار له الا وهو تقديم روايته وسيرى استنجح ام لا ؟ وبعدها لنرى ما سيكون .
وحمل تولكين روايته بايعاز من صديقته ( سوزان داجنال) التى كانت تعمل فى دار النشر المملوكه ل( جورج الان) الذى تحمس للفكره باعتبارها قصه مقدمه للاطفال فى وقت لم تكن هناك فيه قصص بهذا المفهوم ولكنه لم يعلن حماسه هذا لتولكين واخبره انها مغامره غير مضمونة العواقب وانه يأمل ان تغطى تكاليفها فحسب ثم تم نشر الروايه لينتظر هو وتولكين النتائج على احر من الجمر.
وكانت المفاجأه ان الروايه لم تنجح فحسب بل لقد انغمس الكبار قبل الصغار فى قراءتها وعاشوا فى عالم الارض الوسطى والاقزام وجاندالف الساحر وبيلبو الهوبيت وكنز الاقزام الذهبى الذى يحرسه التنين وادمنوا هذا العالم لدرجة مطالبة جورج باجزاء اخرى من الروايه ولكن تولكين رفض تكرار المخاطره خوفا من الا تلقى نفس النجاح الذى حققته رواية الهوبيت واستمر جورج فى الالحاح على تولكين بكتابة اجزاء اخرى حتى وافق تولكين لاعتبارات الصداقه فحسب ولكنه اعلن ان الجزء التالى سيكون اصغر بكثير فوافق جورج ان يترك له حرية الابداع كيفما يشاء ....... ليبدأ تولكين العمل من جديد
وهنا كان السؤال الاول الذى قاد الى الثلاثيه الخالده.........من اين يبدأ؟وهنا كان على تولكين ان يعيد قراءه الروايه اكثر من مره .....حتى انتهى به الامر اخيراعند الخاتم الذى حصل عليه( بيلبو) فى احد فصول الروايه ليجد تولكين نفسه متوقفا عنده لفترة طويله.
ترى من اين اتى هذا الخاتم؟ من كان يملكه ؟ ولماذا ؟ وما الذى سيفعله هذا الخاتم ببيلبو بل بعالمه كله؟
كلها اسئله ظلت بلا اجابه . لكنها اغرت تولكين ببدء العمل الذى لم يكن سهلا بالمره واهتمامه بالتفاصيل ارهقه بشده واضطراره لسرد تاريخ الخاتم كان يعنى ان يسرد تاريخ (الارض الوسطى) كلها وما حولها من اراض .
وهذا يعنى ان مهمته هذه المره ستكون اكبر وان العالم الذى قدمه فى رواية الهوبيت سيفصح عن اسراره فى هذا الجزء ودفعه هذا الى البدء فى الكتابه ولم ترق له النتائج فمزق ما كتبه واعاد كتابة افكاره مرات ومرات وفى المره الخامسه استقر اخيرا على مايريده والعجيب ان تولكين اثناء كتابته لم يكن يدرى ماذا سيحدث فى الروايه بل كان يكتب ويتوخى رأى ابنه وصديقه لويس الذان صححا له عشرات التفصيلات وتحولت الروايه رويدا رويدا من قصه موجهه للاطفال الى العالم السوداوى للكبار حتى تحول الجزء الثانى الذى كان يكتبه الى كتاب ضخم تتجاوز صفحاته الالف صفحه ويحمل ذلك الاسم الذى يعشقه قراء الفانتزيا فى كل مكان ..سيد الخواتم
وحمل تولكين روايته الى صديقه ( جورج الان ) الذى فوجئ بحجم القصه واخبر تولكين استحالة نشرها بهذا الشكل وخاصة فى ظل ارتفاع اسعار الورق وعدم التأكد من نجاحها يحيث تغطى مصاريفها
واقترح جورج تقسيم الروايه الى ثلاثة اجزاء تنشر منفصله وعلى فترات متباعده لتقليل التكلفه من ناحيه واختبار نجاحها من ناحية اخرى فوافق تولكين مضطرا وتساءل فى حيره عن اسم كل جزء من اجزاءها الثلاثه خاصة انه كان يكره ان تحمل نفس الاسم مضافا اليه الجزء الثانى وهكذا ......وهنا اتى دور جورج ايساعده فى اختيار الاسماء فاقترح ان يسمى الجزء الثانى( البرجان) بينما سمى تولكين الجزء الاول ( رفقة الخواتم ) واقترح جورج اسم ( عودة الملك ) للجزء الثالث وتم فعلا نشر الجزء الاول عام 1954 ليتغير العالم .......
القول هنا لا مبالغه فيه فقد حقق الجزء الاول ارقاما للمبيعات لم يحققها كتاب قبله ومع نشر الجزئين الثانى والثالث عام 1955 تحولت هذه الثلاثيه الى اشهر روايه فى القرن العشرين على الاطلاق.
وبالطبع لا يمكن لنا هنا حصر كم المسرحيات والعروض المسرحيه التى بنيت على هذه الثلاثيه وبالتالى لم يقتصر الامر على اعادة نشكيل ادب الفانتازيا فحسب بل امتد الى اعادة تشكيل للثقافه ككل .
وعاش تولكين مطاردا من المعجبين فى كل مكان حتى انه انعزل مع زوجته معلنا انه بحاجه الى الراحه التى يستحقها بعد عناء العمل المتواصل .
وفارقت زوجته ( اديث) الحياه فى عام 1971 ليحفر على قبرها اسم ( لوثيان) ولم يطل به الامر حتى لحق بها ليدفن فى قبرها بناء على رغبته وليضاف على شاهد القبر اسم ( بيرين) وكان هذا فى الثانى من سبتمبر 1973
مات تولكين ولكن اعماله بقيت خالده على مر الوقت وقام ابنه من بعده بتجميع مسودات رواياته وقدمها فى موسوعه ضخمه من اثنى عشر جزءاهى ( موسوعة تاريخ الارض الوسطى).
خريطة الارض الوسطى كما جاءت فى رواية الهوبيت
ثم وجدت اعمال تولكين طريقها الى السينما حتى قدمها المخرج النيوزيلندى ( بيتر جاكسون) عام 2001 فى ثلاثيه حققت نجاحا مذهلا حاصده عشرات من جوائز الاوسكار والمليارات على حد سواء.
بيتر جاكسون المخرج الشهير يحمل احدى جوائز الاوسكار
وقد كان تعبير جاكسون البليغ ( لقد قدمت اروع ماكتبه تولكين لاذكر الناس بما كتبه .......لعلهم يقرأونها !!!!
معلومات عن الافلام الثلاثه :
• - رُشحت الأجزاء الثلاثة لثلاثين جائزة أوسكار، وحصلت على سبع عشرة منها.
- رُشح فيلم «رفقة الخاتم» لثلاث عشرة جائزة، نال منها أربعا.
- رُشح «البرجان» لست جوائز، نال منها اثنتين.
- رُشح «عودة الملك» لإحدى عشرة جائزة نالها جميعا.
- صُوِر أكثر من 1800 كيلومتر أثناء الإنتاج.
- أُنتج 48000 سيف وفأس ودرع.
- أكبر عدد من الخيول الحقيقية صور في مشهد واحد،؛ مئتان وخمسون ألف حصان.
- مجموع سنوات العمل في الأجزاء الثلاثة من الفيلم ثماني سنوات.
- مجموع مدة الأجزاء الثلاثة: 680 دقيقة (أي 11 ساعة و20 دقيقة).