إنها عجيبة من عجائب المخلوقات.. فلم يخطر لي في بالي في ما مضى أن هناك كائنات أخرى في هذا العالم غير نحل العسل تجمع رحيق الأزهار وتكون العسل الطبيعي فما بالكم إذا كانت هذه الكائنات هي النمل!! نعم انه النمل جامع العسل ولوجوده في غرف يزيد عمقها عن المتر في جوف الأرض وسط الصحراء ظل مجتمع نمل العسل محل اهتمام العلماء الذين حاولوا بشتى الوسائل والطرق سبر أسراره وكشف خباياه . يطلق على هذا النوع من النمل العديد من التسميات منها النمل جامع العسل وأيضا يسمى بنمل “قدور العسل حيث يقوم وبكل غرابه بخزن العسل في بطنه (في بعض الحالات يخزن الدهن و الماء و السوائل من بقايا الحشرات التي يصطادها) بكميات كبيرة حتى يصل حجم بطن النملة الواحدة في بعض الأحيان لحجم حبة العنب كما يظهر من الصورة التالية:
تستخدم مملكة النمل العجيبة هذه بعض أفراد مجموعتها كأوعية وقدور لخزن الأغذية التي تجمعها العاملات من البيئة المحيطة بها, ومن هذا التصرف العجيب إكتسبت هذه الفصيلة إسمها “نمل قدور العسل”.. حيث تقوم العاملات بجمع الطعام وإطعامه للنملات التي كرست أنفسها كحافظات للطعام حتى تمتلئ بطونها بالطريقة العجيبة التي يمكنكم رؤيتها في الصور.
وبسبب هذا الحجم العملاق تبقى النملات ذات البطون العملاقة دون حراك بل معلقة في الكهوف التي حفرت عميقا تحت سطح الأرض حيث تقوم النملات العاملات بتعليق نملات العسل من أطرافها الدبقة و تقوم بارجاعها في كل مرة تسقط فيها!. وقد أظهر بعض الدارسين أسبابا أخرى لعدم تحرك هذا النمل من الغرف الأرضية العميقة من أهمها أن لا تسرق مخازن الطعام الخاصة بالمستعمرة والمتمثلة بهذه النملات وأيضا أن لا تسبب الحركة الكثير لنمل خزن الطعام إستهلاك الطعام الذي في بطونها فتحافظ قلة حركتها على الإستهلاك الأدنى للطعام.
النمل العامل هو المسؤول عن ملئ أجواف نملات العسل وتفريغها حيث عندما تجوع العاملات يقمن بضرب قرون الاستشعار الخاصة بنمل لتقوم نملات الطعام بإخراج السوائل المخزنة فيها من فمها والعكس صحيح عند أوقات وفرة الغذاء فإن النمل عاملات النمل يقمن بجمع الطعام من الخارج وإعادة إطعامه لنمل الطعام. فهذه النملات تقدم خدمة و تضحية عظيمة لمجتمع النمل فهي تحمل أضعاف أوزانها في جوفها لحماية النملات الأخريات من الجوع مما جعل مجتمع نملات العسل مطمعا لأنواع النمل والحشرات الأخرى و خاصة في البيئة الصحراوية القاسية والتي هي موطن هذا النوع من النمل.
مجتمع نمل العسل كسائر مجتمعات النمل على مستوى عال من الدقة و التنظيم و فيه تتطور النمل ذو الأحجام الكبيرة لتصبح خازنات للطعام بينما النمل الصغير يبقى في القرية لحماية الملكة ولأعمال التنظيف.
تطورت هذه الخاصية في خزن العسل و السوائل الأخرى في أجواف النمل بسبب طبيعة البيئة التي تعيش فيها فهي تتوطن صحاري أمريكا الجنوبية و أستراليا حيث يندر الغذاء في بعض المواسم, ولا يشكل هذا النمل مصدرا للعسل لأنواع النمل الأخرى فقط وانما للإنسان أيضا فهذا النملات هو من أفضل مصادر السكر بالنسبة للسكان الأصليين في استراليا حيث تندر المصادر الأخرى.
إذا من أين تأتي كميات العسل هذه المخزنه في بطون النمل المخصص لخزن الطعام؟ إن أول ما يتبادر لذهن المراقب لهذا النمل هو أن عاملات النمل يقمن بسرقته من خلايا قريبة للنحل ولكن هذا غير صحيح.. حيث أثبتت الدراسات التي أجريت على هذا النوع من النمل أنه يقوم بجمعه تماما كما يفعل النحل.. فبعد مواسم الأمطار الشحيحة في المناطق الصحراوية, تقوم عاملات النمل بجوب الصحراء بحثا عن الأزهار المتفتحة ويقمن بجمع رحيق هذه الأزهار وحمله إلى بيوتهن حيث يقمن بتجميعه داخل بطون نملات خزن الطعام مشكلة كميات العسل هذه التي تجذب إنتباه كل من يراقب هذا المجتمع الغريب!! والمثير للإهتمام أن نوع العسل المتشكل في كل مستعمرة يختلف حسب نوع الأزهار التي بجانبها تماما كما هو الحال بالنسبة لنحل العسل.
جذبت مستعمرات نمل قدور العسل الكثير من علماء الطبيعة لدراستها وأيضا كبار المصورين المحترفين وصانعي الأفلام تماما كما هو الحال بالنسبة لصانع الأفلام المشهور جون براون والذي أمضى سنتين من حياته يصور ويوثق حياه هذا المجتمع السري مخرجا عددا من الأفلام والصور المدهشه والتي تظهر أجساد نملات تخزين الطعام كما لو أنها جرار أو ثريات من ذهب تزين سقف المستعمرةكما في هذه الصور:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق