يُعتبر تعاقُب الفصول الأربعة ما بين شتاءٍ وربيعٍ وصيفٍ وخريف، أحد أسباب ازدهار الحياة والحضارة البشرية على كوكبنا، فهذا التبادُل والتدرُّج المُعتدل في أحوال الطقس يسمح للبشر بنشاطات هامّة لعلّ أبرزها النشاط الزراعي الذي يوفّر الطعام لأغلب سُكّان الكوكب.
ولكن ماذا لو وقع حدثٌ طبيعيٌ مُفاجئ يُفسد هذا النظام؟
هذا ما حدث سنة 1816م، والتي أسماها المؤرّخون بـ "سنة بلا صيف" و"سنة الفقر" نظراً لتقلبات جوية عنيفة أثّرت على أغلب مناطق الكُرة الأرضية عقب انفجار بُركان "تومبورا" في إندونيسيا، حيثُ استمرّت العواصف والأمطار والأجواء الباردة طيلة العام تقريباً في أجزاء واسعة من الأرض، وسط قلّة أيام قليلة مُشمسة، وهو ما أدّى إلى فشل المحاصيل الزراعيّة وحدوث مجاعة في أجزاء واسعة من الكُرة الأرضية.
بدأت القصة في إندونيسيا وتحديداً يوم 10-4-1815، وهو اليوم الذي ثار به بركان "تومبورا" بصورة عنيفة جداً، مُرسلاً كميات هائلة من الرماد البركاني إلى ارتفاع شاهق قارب الـ46 كيلومتراً. ومع حركة التيارات الهوائية في أعالي الغلاف الجوي للأرض، فإن الرماد البركاني لفّ أجواء الكُرة الأرضية كاملةً، مما أدى إلى اضطراب عنيف بالأجواء خلال عام 1816، مؤدياً لحدوث فصل "شتاء بركاني" وحدوث عواصف شتوية مُستمرة في أجزاء واسعة من العالم حتّى في فصل الصيف، ما أدّى لفشل المحاصيل الزراعية في القسم الشمالي من الكُرة الأرضية بأكملها تقريباً وانتشار المجاعة.
هذا الحدث كان أقوى ثوران بركاني يتم رصده منذ بدء السجلات الجيولوجية، وقد سُمع دوي انفجاره على بُعد أكثر من 2600 كيلومتراً، وعمّ ظلام دامس منطقة الثوران ليومين كاملين، وقد تعرّضت اندونيسيا لأمواج تسونامي بارتفاع 4 أمتار جرّاء الثوران، مع وصول عدد الضحايا إلى 4600 قتيل.
وقد وصلت أعمدة الرماد البركاني الناتجة عن الثوران إلى طبقة الستراتوسفير على ارتفاع أكثر من 46 كيلومتراً، ورغم سقوط جسيمات الرماد الثقيلة على الأرض بعد أسبوعين فقط، إلا أن الجسيمات الخفيفة بقيت عالقة في الأجواء لعدّة سنوات على ارتفاع ما بين 10 إلى 30 كيلومتراً، وقد ساهمت الرياح في طبقات الجو تلك على نشر هذا الجسيمات الخفيفة حول العالم بأكمله، مما أدى لتشكُل ظواهر بصريّة عدّة، لعل أبرزها طول فترة غروب الشمس وتلوّن السماء عند شروق الشمس وغروبها بألوان تدرّجت ما بين الألوان البرتقالية والحمراء والنفسجية في لندن في الفترة ما بين 28-6-1815 و 2-7-1815، إضافة إلى الفترة ما بين يومي 3-9-1815 و7-10-1815
وفي ربيع 1816، عانت أجزاء واسعة من الولايات المُتحدة الأمريكية وأوروبا من أجواء سديمية وضبابية جافّة لا تنحسر حتى مع هطول الأمطار أو هبوب الرياح، فكانت الشمس تظهر فاهية الإضاءة لدرجة أنه كان بالإمكان رؤية البُقع الشمسية بالعين المُجردة.
وفي ربيع 1816، عانت أجزاء واسعة من الولايات المُتحدة الأمريكية وأوروبا من أجواء سديمية وضبابية جافّة لا تنحسر حتى مع هطول الأمطار أو هبوب الرياح، فكانت الشمس تظهر فاهية الإضاءة لدرجة أنه كان بالإمكان رؤية البُقع الشمسية بالعين المُجردة.
وفي صيف عام 1816، شهدت أنحاء واسعة من العالم اضطرابات مناخيّة شديدة، فتكوّن الصقيع في أنحاء من أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية وسط الصيف وتساقطت الثلوج في حزيران على بعض المرتفعات العالية في شرق الولايات المتحدة الأمريكية وتجمّدت العديد من الأنهار في كندا.
أمّا في أوروبا، فكان فصل الصيف عام 1816 بارداً للغاية، مع أمطار شديدة وأجواء باردة دون توقف على غرب القارّة وموجة جفاف وارتفاع في الحرارة على أجزاء من شرقها وهو ما أدّى إلى فشل المحاصيل الزراعية في أجزاء واسعة من القارّة وانتشار المجاعة.
وفي آسيا تسبب قدوم المونسون المُتأخر عن موعده في أمطار طوفانية شديدة وفيضانات في الهند والصين ساهمت في انتشار مرض الكوليرا بشكل هائل في الهند وصولاً إلى أجزاء بعيدة في روسيا.
أما بالنسبة للوطن العربي فهناك غياب لمُعطيات وبيانات مناخيّة تاريخية واضحة عن مدى تأثير تلك الأجواء الاستثنائية خلال تلك الفترة.