أول حصار في التاريخ ، لتحط رحالي دوما عند أطول حصار في التاريخ ، في عصور ما قبل 
الميلاد ، وفي زمان الملك البابلي ( نبوخذ نصر ) . كان أول حصار في التاريخ ، هو 
نفسه أطول حصارٍ في التاريخ ، أبطاله الملك البابلي نبوخذ نصر ، و مدينة صور 
الكنعانيّة ، حيث امتد هذا الحصار ليصل إلى ثلاثةَ عشرَ عاماً ( 585 - 572 ق.م ) . 
نبوخذ نصر:(الملك العنيد ) ، هكذا أطلقت عليه بعد إطلاعي على مراحل 
حصاره لمدينة صور ، دون أن يستسلم ، وبقي مرابطاً حول المدينة إلى أن أسقطها . 
نبوخذ نصر ، هو الإبن الأكبر لنبوبولاسر ، الذي قام بإسقاطِ نينوى عاصمة 
الإمبراطوريةِ الآشوريّة . 
قبل أن يتولى نبوخذ نصر الملك ، قام بقيادة الكلدان 
لهزيمةِ الآشوريين مرّةً أُخرى بعد هزيمة والده لهم ، و قام بإلحاق الهزيمةِ 
بالفراعنة و الآشوريين في معركةِ ( كركميش ) عام 605 ق.م ، و لاحقاً تمكّن من 
السيطرةِ على مناطق عدّة ، منها ( سوريا ) و ( فينيقيا) ، و أنتزعها من أيدي 
الآشوريين بعد هزيمتهم . 
و في العام نفسه توفي والده الملك نبوبولاسر ، ليعود 
هو بدوره إلى بابل و ينصب ملكاً شرعيّاً عليها . 
بعد أن أصبح ملكاً توالت 
فتوحات و انتصارات نبوخذ نصر ، لتمتد من سوريا و يهوذا ، حتى وصلت إلى حدود مصر ، و 
تحديداً إلى مدينةِ ( غزّةَ )الحاليّة جنوب فلسطين ، حيث هُزم بعدها فيما تسمى ب 
(الحرب المصريّةِ البابليّة ) . 
لم يؤتي نبوخذ نصر على إلحاق الخراب أو تدمير 
المدن التي قام بإسقاطها أو السيطرةِ عليها، و إنما اكتفى بفرض الجزيةِ ، وحرص على 
فرض دفعها بانتظام على المدن التي فرض عليها سيطرته . 
لم يرق الأمر لملك يهوذا 
، فحاول التمرد ، ومن هنا قررت مملكة يهوذا العصيان على بابل ومليكها ( نبوخذ نصر ) 
، فقام نبوخذ نصر بدوره بحصار أورشليم عاصمة مملكة يهوذا ، وألحق الهزيمة بالمصريين 
الذين هبوا للدفاع عن مملكة يهوذا ، استمر البابليون بحصار مملكةِ يهوذا لحولٍ كامل 
، حيث تمكنوا بعدها من اختراق أورشليم العاصمة ، و دخلوها و سبوا معظم سكانها و من 
بينهم الملك ، وألحقوا الخراب بالمدينةِ ، و قاموا بإحراقِ هيكل سليمان ، و بذلك 
وضع نبوخذ نصر حداً لفترةَ حكم سلالةِ داوود على أورشليم و مملكةِ يهوذا عام ( 587 
ق.م ).
لم تكن مملكةِ يهوذا هي الوحيدة التي اعترضت على دفع الجزية لنبوخذ نصر 
، بل كانت أول المتمردين على هذا الأمر ، و تلتها مدينةَ ( صورٍ الكنعانيّة ) ، على 
الفورقام نبوخذ نصر بالزحف إليها و فرض الحصار عليها ، ظاناً منه بأن الحصار لن 
يطول لأكثر من عام ، شأنها شأن مملكةِ يهوذا ، ولكن امتد الحصار ليصل إلى ثلاثةَ 
عشرَ عاماً ، ليعد أطولَ حِصارٍ في التاريخ على مدينة ، و انتهى هذا الحصار برضوخ 
الكنعانيين للهيمنةِ البابليّة ، ولكن لن ننكر بأنها كانت عصية . 
وكعادة الملوك 
لإظهار بطولاتهم وصبرهم على الصعاب وتحديهم لأي عقبةٍ تقف في طريقهم ، كانت لنبوخذ 
نصر ملاحظاته عن حصار مدينةِ صور ، دونها في إحدى الألواح الأثريَةِ التي تم العثور 
عليها ، حيث قال بأنه قد تمكن من عزل ملكها الشرير و هزيمته ، و شقَّ الطريق إلى 
صور بينَ الجبال ، و تشتيت سكانها الأشرار إلى اتجاهاتِ الأرضِ الأربعة ، و قام 
بإختيارِ ملكٍ لها.
مدينة صور:مدينة شرق أوسطيّة ساحليّة ، تقع على 
شاطيء البحرِ الأبيض المتوسط ، و تعد من أشهر مدن العالم القديمة عبر التاريخ ، 
لتمكنها من إحتكار التجارةِ البحريّة والسيطرة عليها في العهد الفينيقي ، و كان لها 
الدور الكبير في نشر الديانات في العالم القديم ، و وضع حدٍ لزحف الإسكندر المقدوني 
ومقومتها له ، بالإضافة لوقوفها وتصديها للبابليين في حصارهم لسنواتٍ طويلة.
نقرأ ل ( زكريّا ) ، آخر الأنبياء في القرن السادس قولهِ عن مدينةِ صور ، 
واصفاً ما كانت عليه أثناء سنوات حصار نبوخذ نصر عليها : 
قد بَنَت صور حصناً 
لِنفسها ، و كوّمت الفِضّةَ كالتُراب ، و الذهبِ كطينِ الأسواق ، هو ذا السيّدُ ( 
الرب ) يرثها ، و يضرِبُ في البحرِ قوّتها و هي تؤكَلُ بالنار.
يصف زكريّا 
قوةِ و مناعة صور في مقاومةِ البابليين و حصارهم الطويل عليها.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق