من منا لا ينبهر بذاك البريق الخاطف والجمال الأخاذ للأحجار الكريمة بهندستها و حجمها وألوانها التي تأسر القلب وتسحر العقل . فمنذ الأزل والإنسان مغرم بهذه الأحجار رغم كونها لا تعدو سوى صخور متكونة من بعض المعادن وقد ظهرت إلى سطح الأرض بفعل عمليات جيولوجية وعمليات التعرية أو التنقيب . هذه الصخور تكبد مالكيها أثمانا باهظة ، فهناك من اتخذها زينة ، وهناك من اتخذها مظهرا للثراء متباهيا بثمنها أو تاريخها ، وهناك أيضا من جعل منها تمائم وتعويذات على شكل قلادات أو خواتم معتقدا أنها تحمل قوى سحرية لطرد الشر والمرض ... وهناك أيضا من رأى فيها لعنة لا تجلب إلا الشؤم والدمار .
وقصتنا اليوم تدور حول واحد من تلك الأحجار .. إنها ماسة الأمل (hope Diamond)..
بداية أود أن أقول لا يغرك عزيزي القارئ أسمها ومظهرها الأزرق الصافي الرائع ، فبريقها اللامع يخفي وراءه الكثير من قصص الدمار والقتل والإفلاس والانتحار...
يعود أصل الماسة إلى منجم كولار في جولكوندا ويبلغ حجمها الآن 45,52 قيراطا . وتعد أكبر قطعة ألماس معروفة حيث تشير بعض التقارير أنها كانت في البداية تزن 115 قيراطا إلا انه لا يوجد إثبات على ذلك .
سرقت الماسة من معبد آلهة هندية
الرحالة الفرنسي جان بابتيست تافيرنيير هو الذي جلب الماسة معه من الهند إلى فرنسا عام 1642 م . في الحقيقة لا يعرف الكثير عن تاريخ الماسة في الهند ، لكن الرواية المتداولة عن الماسة تقول بأنها كانت تطرز أحد تماثيل الآلهة الهندية سيتا ، وأن الرحالة الفرنسي قام بسرقتها ، وهذا هو بالذات سبب اللعنة التي رافقتها والنهاية المأساوية التي حملتها معها لكل من حاز عليها .
جان بابتيست باع الماسة للملك الفرنسي لويس الرابع عشر ضمن مجموعة من الجواهر الفاخرة والنادرة التي جلبها من الهند.
الملك أمر بصقل الماسة على يدي فنان شهير في معالجة الألماس يدعى سيور بيتو ، ونتيجة للتقطيع والصقل فقد هبط وزنها إلى 67,50 قيراطا.
في الواقع الماسة لم تكن آنذاك تعرف بأسم ماسة الأمل ، بل بأسم الأزرق الفرنسي .
اشتراها الملك لويس الرابع عشر
بعد فترة على تملك الماسة تعرض الملك لويس لهزائم عسكرية عدة على يد التحالف الأعظم بين هولندا وانجلترا و إمبراطورية النمسا ، وذلك خلال الحرب المعروفة بحرب الخلافة الإسبانية والتي انتهت بتوقيع اتفاقية «أوترخت» في إبريل1713 م والتي وضعت حداً لأطماع الملك لويس التوسعية . وبعدها أصيب بمرض الغرغرينا وتوفي في قصر فرساي عام 1715م.
في عام 1749 عهد الملك لويس الخامس عشر إلى خبير يدعى أندريه جاكومان بإعادة تقطيع الماسة وصقلها ، حيث أصبحت أكثر جمالا ، لكن الملك لم يستمتع بجمال الماسة طويلا ، فقد تعرض لمحاولة اغتيال نجا منها بصعوبة ثم توفي متأثرا بمرض الجدري الذي أصابه .
بعد ذلك انتقلت الماسة إلى الملك لويس السادس عشر وملكته ماري أنطوانيت فانتقلت لعنتها معها ، وكانت فترة حكمهما مضطربة انتهت بقيام الثورة الفرنسية والحكم عليهما بالإعدام بعد محاولة فرار فاشلة ، وتم إعدامهما فعلا بالمقصلة عام 1793 م.
المقصلة اطاحت برأس الملك لويس وزوجته ماري انطوانيت
أثناء الثورة اجتاحت جموع الرعاع واللصوص قصر الملك وقاموا بسرقة جميع الأحجار الملكية الكريمة . معظم الأحجار المسروقة عادت لاحقا لفرنسا ، لكن الماسة الزرقاء لم تظهر ثانية . بحسب الروايات التاريخية فأن الماسة الزرقاء سرقت من قبل رجل يدعى كاديت غيوت قام بتهريبها إلى انجلترا . كاديت هذا لم يرى خيرا كثيرا من سرقة الماسة إذ انتهى به المطاف بعد سنوات قليلة مسجونا في باريس .
ما حصل للماسة الزرقاء الفرنسية بعد ذلك هو أمر يشوبه الكثير من الغموض ، لأنها اختفت ولم يعثر لها على أثر ، لكن ظهرت محلها ماسة زرقاء جديدة اشتهرت في انجلترا بأسم ماسة الأمل . من المرجح أن اللص الفرنسي باع الماسة الأصلية لجواهري في انجلترا قام بإعادة تقطيعها وصقلها ، وهكذا ظهرت ماسة الأمل من رحم ماسة الأزرق الفرنسي ، وهو أمر تؤيده الدراسات الحديثة التي أجريت على ماسة الأمل وكان آخرها في عام 2008 .
في عام 1823 م أصبحت الماسة مملوكة من قبل الصائغ البريطاني دانييل الياسون وبعد سنوات انتقلت إلى أيادي العائلة المالكة البريطانية ، تحديدا الملك جورج الرابع الذي اشتراها من الياسون لكنها بيعت عند وفاته سنة 1830 لتسديد الديون الباهظة التي خلّفها بسبب إسرافه في اللهو والمجون واقتناء نوادر الأشياء .
أصبحت الماسة في حوزة مالك جديد يدعى هنري فيليب هوب ، ومنه أخذت الماسة أسمها والذي يعني الأمل ..
لكن الأمل لم يكن حليف هنري هوب ، فوفقا للسجلات التاريخية تعرض للإفلاس هو والعديد من أفراد أسرته ، وبعد موته انتقلت الماسة إلى حفيده اللورد فرانسيس هوب الذي حاول بيعها بعد تعرضه للإفلاس بسبب المقامرة .
في عام 1908 اشترى السلطان التركي عبد الحميد الثاني ماسة الأمل ولم يكن حظه معها أفضل من الذين سبقوه فخسر حكمه بعد مرور سنة على اقتنائه حيث جرى خلعه في 1909 و وُضع رهن الإقامة الجبريَّة حتّى مماته .
وتستمر اللعنة ...
سافرت بها الأقدار إلى الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق الصائغ سيمون فرانكل لتنتهي عند الفرنسي بيار كارتييه الذي باعها على شكل قلادة لسيدة ثرية اسمها ايفالين والش ماكلين التي كانت مقتنعة بأن الماسة ستكون فألا حسنا عليها على عكس سمعتها وما يشاع عن أنها ملعونة . لكن قناعة السيدة ماكلين ربما كانت في غير محلها ، إذ مات ابنها بعمر 9 سنوات بحادث سيارة وانتحرت ابنتها 25 سنة بجرعة زائدة من الهروين كما تعرض زوجها للإفلاس ومات في مستشفى للإمراض العقلية 1941م وغرقت السيدة ماكلين في ديونها.
الماسة معروضة اليوم في متحف التاريخ الطبيعي بواشنطن
في 1949 ، بعد موت السيدة ماكلين ، وصلت الماسة أخيرا إلى يد مالكها الأخير الصائغ هاري وينستون الذي أهداها إلى متحف التاريخ الطبيعي بواشنطن ، ويقال انه فعل ذلك لأنه أراد اتقاء شرها .
يقول ريتشارد كورين مؤلف كتاب ( ماسة الأمل ... تاريخ أسطورة الماسة الملعونة ) : إن اللعنة ليست حقيقية .
لكن هل فعلا تلك الماسة تحمل لعنة أم هو قضاء وقدر أم صدفة ؟