يحاول العلماء على مدى قرنين من الزمن كشف سر أرض سانيكوف- الجزيرة الوهمية الضائعة فى المحيط المتجمد الشمالى الروسى.
وذكر موقع "صوت روسيا" أنه فى عام 1811 ذكر الباحث فى علوم القطب الشمالى يعقوب سانيكوف، عن وجود أرض مجهولة تقع إلى الشمال من جزر سيبيريا الجديدة، حيث رأى قمم الجبال فى الأفق وحاول الوصول إلى هذه الأرض الغامضة بواسطة زلاجات تجرها الكلاب على الجليد، ولكن انقطع الطريق فجأة عن طريق شريط من مياه البحر مما اضطره إلى العودة.
لم يكن هناك سبب وجيه للشك فى ما قاله سانيكوف- ذلك الباحث الذى يتمتع بسمعة كبيرة، بالإضافة إلى ذلك فقد أكدت الطيور الموجودة هناك صحة كلماته، فعلماء الطيور لاحظوا منذ زمن سلوكاً غريباً لطيور الإوز القطبية التى تتوجه من شرق سيبيريا إلى الشمال فى فصل الربيع وتعود أدراجها مع ذريتها فى فصل الخريف.
هذا يعنى بأن هناك مكانا ما فى الشمال بين الصحراء الجليدية، أرض خيرة لهذه الطيور المسافرة، والسؤال الذى يطرح نفسه أليست هذه هى الأرض التى اكتشفها يعقوب سانيكوف؟
لقد توجه سانيكوف أكثر من مرة إلى المسئولين فى سانت بطرسبورغ طالباً تنظيم رحلة استكشافية للبحث عن هذه الأرض الغامضة لكن لم يعر أصحاب الشأن هناك الاهتمام لطلب سانيكوف واكتشافاته، إلى أن قامت بعثة علمية عام 824 بقيادة بيوتر أنجو بدراسة منطقة شمال جزر سيبيريا الجديدة، ولكن لم يجدوا شيئاً، حينها كتب أنجو بسخرية لم يخفها فى تقريره بأن سانيكوف على الأغلب رأى ضباباً يشبه الأرض، ولهذا تم اعتبار ذلك الاكتشاف بدعة وأصبح فى غياهب النسيان.
فى عام 1885 نظمت أكاديمية العلوم الروسية رحلة للبحث عن جزر سيبيريا الجديدة، وقد كان العالم الجيولوجى إدوارد تول أحد قادة هذه البعثة العلمية، وفى صباح مشمس وجد هذا العالم نفسه على ضفاف جزيرة كوتيلنى، أى فى نفس المكان تقريباً الذى كان فيه سانيكوف منذ 74 عاماً.
وفجأة لاحظ تول وبشكل جلى وواضح ملامح قمم الجبال على مسافة بعيدة، وبدأ يتساءل هل هذه هى تلك الجبال التى رآها وأشار إليها سانيكوف؟ وأخذ يتحرك بسرعة إلى الأمام باتجاه هذه الجبال للتحقق منها! لكن الطقس تغير فجأة وبدأت تلوح فى الأفق عاصفة ثلجية، فى هذه الأثناء انتهت الموارد التى كانت بحوزته مما اضطره للعودة إلى مقره.
ولكن منذ ذلك الوقت لم تعد تراود تول شكوكاً بحقيقة وجود أرض سانيكوف مشيراً إلى أنه يمكن وبكل جرأة وضعها على خارطة العالم.
ومع ذلك أصيب العالم بخيبة أمل، ففى عام 1893 قام المستكشف النرويجى المعروف فريدوف نانسين على سفينته "فرام" برحلة استكشافية طويلة بحثاً عن أرض سانيكوف وفق الإحداثيات التى حددها العالم تول، لكن دون جدوى، الأمر بدا وكأن الجزيرة كانت تلعب مع العلماء لعبة "الغميضة".
لكن تول كان مصراً على حقيقة أن هذه الجزر موجودة، ولهذا قام بإعداد رحلة استكشافية إلى القطب الشمالى، وبالفعل فى عام 1900 توجهت سفينة "زاريا" الشراعية نحو الشمال من بطرسبورغ، وقامت على مدى سنتين بدراسة طبيعة القطب الشمالى، ووصلت بعد ذلك إلى جزر سيبيريا الجديدة لكن الحملة باءت بالفشل حيث توفى العالم تول قبل أن يعثر على أرض سانيكوف.
مضى الوقت وشهدت روسيا ثورة بلشفية تمخض عنها ظهور دولة جديدة على الخارطة تدعى الاتحاد السوفيتى، لقد كانت الحكومة السوفيتية مهتمة بتطوير منطقة القطب الشمالى، ولهذا عمدت على بناء كاسحات الجليد القوية وبدأت الطائرات تحلق فوق منطقة المحيط المتجمد الشمالى، وتمكن العلماء من وضع حد للجدال القائم حول وجود أرض سانيكوف.
وفى عام 1937 وصلت كاسحة الجليد السوفيتية "سادكو" إلى شمال جزر سيبيريا الجديدة لكنها لم تعثر على أى شىء. كما أن الطيارين أيضاً لم يتمكنوا العثور على أرض سانيكوف، وبدلاً من ذلك كانوا يشاهدون أراض واسعة من الثلوج والجليد امتدت إلى ما لا نهاية.
والسؤال الذى يطرح نفسه هل كان سانيكوف وتول على خطأ؟ من الصعب تحديد ذلك حيث يشير العلماء بأن هذه الأرض الغامضة يمكن أن تكون قد ظهرت فى وقت من الأوقات لكنها بعد ذلك اختفت.
والحقيقة هى أن أساس العديد من الجزر فى القطب الشمالى هو ليس فقط من التربة وإنما من الجليد وكما هو معروف فإن أمواج البحار تضرب على مدى قرون من الزمن الشواطئ الجليدية، وبالتالى فإن الجليد هناك يذوب ببطء مما يجبر أرض التربة فى الغوص إلى الأعماق ففى الفترة ما بين 1950-1960 اختفت عدة جزر صغيرة كانت موجودة على خارطة العالم فى القرن الثامن عشر لذلك يعتقد الباحثين أنه ربما كان هذا هو مصير أرض سانيكوف.