يطل رمضان كل عام، وتطل معه أطعمته الخاصة وأشربته التي لا تستغني عنها مائدة رمضانية. وفي المملكة العربية السعودية، خاصة منطقة مكة المكرمة، التي تضم الحرمين الشريفين، عرف شغف الناس في الشهر الكريم بمشروب السوبيا العريق.
وبدءا من صلاة العصر من كل يوم، ينطلق المكيون ليصطفوا في طوابير طويلة جدا لأخذ حصتهم من السوبيا، التي تخصصت في صناعتها عائلات معروفة توارثت سرها.
ولأن صناعة السوبيا ليست بالسهلة، لحاجتها إلى خبرة، فإن من النادر صناعتها منزليا، كما يندر من يتقنها مثل العائلات العريقة التي توارثت صناعتها، مثل عائلة الخضري في مكة، وعائلة الخشة بالمدينة المنورة.
ولصعوبة الوقوف وطول الطوابير للصائمين، يلجأ بعض الفتيان لـ"تجارة بيضاء"، حيث يحضرون مبكرا لشراء أكياس السوبيا، بريالات معدودة، ليعيدوا بيعها بضعف سعرها لمن لا يريدون الوقوف في الطوابير.
ويفاخر أهل مكة أثناء الإفطار بنوعية السوبيا التي أحضروها، خاصة عندما يستقبلون ضيوفا في مناسبة إفطار.
وهذه الصناعة التي تخصصت فيها مكة والمدينة، واجه جميع من حاولوا تقليدها فشلا كبيرا في بقية المدن، إذ أثبتت العائلات المتخصصة فيها، أن لا أحد يمكنه تقليدهم، مما حدا ببعض أهل المناطق القريبة من مكة إلى الاضطرار لشراء السوبيا من مكة، ومن صناعها الأصليين.
شراب السوبيا الذي هو لذة الصائم الذي يروي عطشه ويمنحه الراحة من عناء يوم صيام طويل، عرفه المكيون كما عرفه زوار بيت الله الحرام، حتى أولئك القادمين من بلدان تصنع السوبيا مثل مصر، ممن أكدوا أن السوبيا المكية فريدة وذات مذاق لافت، ولا تشبهها أية سوبيا أخرى.
ويصنع شراب السوبيا من الشعير أو الخبز المجفف الناشف، أو الشوفان، أو الزبيب، وتضاف لهذه المكونات بعد تصفيتها مقادير من السكر وحب الهال والقرفة، وتخلط جميعها بمقادير متناسبة، ويضاف لها الثلج.
وتقدم السوبيا بألوان متعددة، منها الأبيض الذي يحمل لون الشعير، والأحمر الذي يقدم بنكهة الفراولة، والبني بالتمر الهندي. والسوبيا لا تخزن، إذ تفقد قيمتها الغذائية خلال يومين أو ثلاثة أيام. ولا تتوقف فوائد السوبيا في إطفاء عطش الصائم، إذ إنها مفيدة لحصوات المرارة والكلى.