الحب والجنون صديقان متلازمان، طالما كلّلا هامات المحبين، وكلّلتهما الأساطير بالقصص المدهشة عن نماذج للعشق والعاشقين، اتفقوا جميعًا فى الغاية والمآل، واختلفوا فى التفاصيل، ولكنهم ظلّوا جميعًا عاشقين.. وظلّ الحب "أعمى".
وبينما نمارس مشاعرنا – ببصرها وبصيرتها وعماها – ربما لا يعرف بعضنا حقيقة التوصيف ولا أصله، فبينما نسير على هدى حبٍّ أعمى، لم نفكر مرّة فى معرفة سبب ومبعث هذه التسمية، فقط اعتدنا دائمًا على ترديد المقولة.
وأقرب تفاسير هذه الجملة الشهيرة – التى تنطلق من روح أسطورية إغريقية، كقصص الآلهة القديمة - هى أن الفضائل والرذائل اجتمعت ذات يوم، ولكنها كانت تشعر بالملل، فاقترح الإبداع أن يبدأوا فى تمضية وقت فراغهم ومللهم فى لعبة الـ "استغامية"، وقد أعجبوا جميعًا بالفكرة، وقرر الجنون أن يكون أول المغمضين، وبدأت كل الفضائل والرذائل فى الاختفاء، حتى أتم الجميع اختفاءهم، ثم فتح الجنون عينيه وبدأ البحث صائحًا: "أنا آت إليكم.. أنا آت إليكم".
فى البداية ظهرت الرقّة - المختفية خلف ضوء القمر الشاعرى الكاشف - وبعدها خرج الكذب من قاع البحيرة مقطوع النفس من البقاء تحت ضغط وقصوة الماء، وسبقهما الكسل لأنه لم يبذل أى جهد فى إخفاء نفسه – فكان أول من تمّ كشفهم – إلى أن طال الجنون جميع الصفات المختبئة عدا الحب، وبعد حيرة البحث دون جدوى، فتن الحسد – الغيور المشتعل بطبعه - على الحب بأنه مختبئ بين الأشجار.
التقط الجنون شوكة خشبية تشبه الرمح، وبدأ فى طعن شجرة الورد – التى يختبئ الحب خلفها - بشكل طائش يشبه طيش الجنون وعنفه، حتى ظهر الحب والدم يقطر من جسمه ووجهه وبين عينيه، وهو ما أصابه بالعمى، فصاح الجنون: "يا لحماقتى.. ماذا أفعل كى أصلح غلطتى؟!"، فأجابه الحب: "لن تستطيع إعادة النظر إلى عينى ثانية، لذلك ما عليك سوى أن تكون دليلى وقائد خطواتى بين الناس"، وهذا ما حدث بالفعل، فمن يومها يمضى الحب الأعمى – فى قلوب العاشقين – يدلّه ويقود الجنون خطاه.