ميزوبوتاميا يعرف لدى الباحثين في حضارة وادي الرافدين بمصطلح الزواج
المقدس أو الزواج الإلهي، وخلاصته ؛ هو نوع من الطقوس الدينية المتعلقة بخصب الأرض
والدورة الزراعية كان يقام كل عام وبوجه خاص في موسم الربيع، حيث اعتقدوا أن إحلال
الخصب والبركة في الأرض لا يتم إلا بعد جماع بين إله وآلهة، لاسيما بين إله الخصب
والخضار المسمى (تموز) وآلهة الحب والخصب (عشتار) الشهيرة التي انتقلت عباداتها إلى
كثير من الشعوب والأمم القديمة.
وقد حدثنا التاريخ أن حاكم المدينة أو ملك القطر كان يُختار
للقيام بدور الإله، أي إله الخصب وتقوم الكاهنة العليا بدور الآلهة (عشتار) ويتم
الزواج ما بينهما في موضع خاص من معبد المدينة، لضمان الخصب والخير في العام الجديد
؛ ولما تبلورت شعائر عيد السنة الجديد التي تشارك فيه الجماهير الشعبية في
المهرجانات التي تقام فيه وكان يقع زمنه في أوائل شهر نيسان، أي إبان الاعتدال
الربيعي، ادخل الزواج الإلهي ضمن تلك الشعائر، حيث يقوم الملك الإله في خلوته
بالكاهنة العليا رمزا لاستئناف عملية التجديد والخلق من بعد ظهور إله المدينة من
أسره في العالم الأسفل. وكان هذا يتم في اليوم الحادي عشر من العيد حيث تقام
الأفراح والولائم، وبنفس اليوم يتم إعادة الأقدار والمصائر من جانب الآلهة، وينتهي
العيد في اليوم الثاني عشر من نيسان، حيث تعود تماثيل الآلهة إلى المدن المخصصة
لعبادتها وتنصرف الجماهير إلى ممارسة أعمالها الاعتيادية وهي في آمال جديدة ومصائر
جديدة في العام الجديد.
ونشير بهذه المناسبة إلى رواية المؤرخ اليوناني الشهير
هوردوتس(مطلع القرن الخامس قبل الميلاد) الذي زار
بلاد بابل ووصف جوانب مهمة من حياتها وعاداتها وعمرانها ؛ مثل جنائنها المعلقة
وأسوارها التي عدت من عجائب الدنيا السبعة، كما وصف برج بابل العجيب المؤلف من
ثمانية طوابق وقد ذكر هذا المؤرخ انه يوجد في قمة ذلك البرج الشاهق معبد خاص وضع
فيه سرير ومنضدة من ذهب وانه لم يكن فيه سوى امرأة كاهنة فقيل أن إله المدينة
اصطفاها له حيث اعتاد النزول إلى الأرض والاستراحة في ذلك المعبد. وقد رأى بعض
الباحثين أن نظرية الزواج الإلهي يمكن أن يكون تفسيرا لذلك اللغز المحير الذي اكتنف
المقبرة الملكية في أور (2800 – 2350) قبل الميلاد .
وتسمى هذه الفترة بعصر فجر السلالات، حيث عثر فيها على مجاميع نفيسة من الآثار الذهبية والآثار الفنية الأخرى والموجودة حاليا في المتاحف العالمية والمتحف العراقي، وتفسيرها أن الحكام السومريين كانوا يمارسون عادة تضحية أتباعهم ودفنهم معهم عند موتهم مع أنفس الأثاث الخاصة بهم.. ولكن التفسير الجديد ان الملحودين في تلك المقابر لم يكونوا حكاما بل أنهم كانوا من نوع الكاهن الأعلى والكاهنة العليا الذين يختاران للقيم بشعائر الزواج الإلهي ثم يقتلان من بعد ذلك عند حلول الربيع فتظهر حياة الخضار ؛ ومهما كانت الحقيقة فان ممارسة تضحية البشر قد اختفت من حضارة وادي الرافدين في زمن قديم وحل محلها قيام الملك في عيد السنة الجديدة بدور الإله والكاهنة العليا بدور الآلهة في شعائر الزواج الإلهي كما مر ذكره.