من يصدق إن طفلة عمرها أربع سنوات متزوجة ولها طفلان؟؟
ربما صادفت مرة أن ذهبت إلى مكان ما فأثارتك بعض المشاهد والأماكن، وجعلتك تكاد تقسم بأنك شاهدت هذا المكان من قبل .. ربما ..ويمكن أن تكون قد زرته وأنت صغير في السن لا تعي الموجودات من حولك كالكبار، ورؤيتك للمشهد مرة أخرى نشطت هاتفاً ما في عقلك الباطن، فجعلك تقول بأن المكان مألوف .. أعود فأقول .. ربما.
ولكنها أبداً لن تكن مثل حالة (شانتي ديفي) الخارقة للمألوف بكل التصورات التي قد تأتي في ذهنك.
البداية:
ولدت (شانتي ديفي) في عام 1926 فتاة هندية لأبوين هنديين .. فتاة طبيعية لا يوجد بها ما يثير الانتباه أو ما يُخشى عليه من مرض أو غيره، بشكل أثار سعادة الأبوين بها، وأخذا يراقبانها وهي تنمو يوماً بعد يوم.
كان أشد ما أثار انتباههما في (شانتي) الصغيرة هو كونها صامته لا تتحدث، حتى انتابهما القلق في هذا الأمر، وبدأ الأب يبحث في الأمر طبياً فربما تكون ابنته خرساء أو مريضة بمرض ما، ولكن لم تلبث هذه الأوهام أن ذهبت حينما بلغت (شانتي) الرابعة من عمرها وبدأت حديثها واضحاً مفسراً .. ولكن لم يكن حديثها مبدداً لقلق الأبوين، بل جلب عليهما كارثة جديدة لم يكن في حسبانهما أن تحدث لابنتهما.
لقد نطقت (شانتي) الصغيرة أول كلماتها لأبويها لتخبرهما أن اسمها ليس (شانتي) وإنما (لوغدي) وأنها متزوجة ولديها طفلان !! عقدت المفاجأة لسان الأب وأخذ ينظر إلى ابنته قلقاً ولكن الأمر لم يأخذ حيز الاهتمام على الرغم من الجدية التي تتحدث بها (شانتي) فقد ظن أن الفتاة تتحدث محاولة أن تقلد حديث الكبار، وأن هذا لا يعدو كونه هلاوس تأتي للفتاة الصغيرة.
صورة لشانتي ديفا في طفولتها - الطفلة وسط الصورة
ولكن الأمور لم تنته عند هذا الحد بل بدأت في الواقع، فقد أخذت (شانتي) بمناسبة وبدون مناسبة تتحدث عن حياتها السابقة، فكانت تعد الطعام مع أمها، وتحكي لها عن كيف كانت تعد الطعام في السابق، وأنها كانت تستعمل مجموعة مختلفة من التوابل في هذا النوع من الطعام، وتتحدث مع أمها عما كانت ترتديه في حياتها السابقة، وعن ألوان الساري الذي كانت ترتديه، ونوعية وخامات الملابس التي كانت ترتديها.
أخذت تحدثهم أيضاً عن زوجها وأشقاءه وعائلته، وأنه كان وسيماً يرتدي نظارة وله وشمة على الخد الأيسر، وأخذت تحدثهم عن كيفية موتها، وأن آخر ما وقعت عليها عيناها هو الغرفة البيضاء في المستشفى حيث وضعت ولدها الثاني بعملية قيصرية، وساءت حالتها بعدها وأدى ذلك إلى وفاتها .. قالت هذا وهي تبكي بالدموع بشكل أثار شفقة وقلق الأبوين بشكل أكبر.
مرت السنوات بـ (شانتي) وهي تكبر يوماً بعد يوم ولم تتوقف يوماً عن سرد تفاصيل حياتها الماضية، بطريقة تثير دهشة الأبوين من دقة التفاصيل التي ترويها الإبنة، حتى قررا يوماً أن يذهبا بها إلى الطبيب حتى يبحث في أمر حالتها.
وحينما عرضا حالتها على الطبيب، ضحك كثيراً وطمأنهما أن هذه حالة عادية من حالات الأطفال واسعي الخيال وأنه لن يمر وقت طويل حتى تختفي هذه التصرفات من الإبنة (شانتي)، وطلب من الأبوين أن يتركاها معه تروي لها بعض من رواياتها .. وحينما بدأت الصغيرة تروي ما حدث لها في حياتها الماضية تغيرت نظرة الطبيب تماماً لها.
حياة لوغدي السابقة:
اتسعت عيني الطبيب المخضرم ذهولاً وهو يسمع الأحداث التي ترويها الطفلة (شانتي).
أخذت الصغيرة (شانتي ديفي) تروي أحداث عن حياة فتاة اسمها (لوغدي) كانت تحيا في قرية موترا على بعد 140 كم من دلهي، ولدت عام 1902 وتزوجت عام 1912 وهي بنت 10 سنين من رجل أرمل اسمه (بانديت كيدرناث) وأنجبت مرة أولى بعملية قيصرية، ثم بعدها بحمل آخر انتهى بعملية قيصرية أخرى، ولكن حالتها في المرة الثانية كانت سيئة للغاية، فتدهورت حالتها الصحية على مدار 11 يوم، ثم فارقت الحياة في 4 تشيرين الأول/أكتوبر عام 1925، وكان آخر ما رأته هو جدران الغرفة البيضاء.
ولم يكن سبب ذهول الطبيب هو ما ترويه (شانتي) عن حياة (لوغدي) فحسب، وإنما بسبب التفاصيل الدقيقة للعملية الجراحية وما تلاها من إجراءات وقائية وطبية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعلمه هذه الطفلة الصغيرة ذات الست سنوات.
فقد أخبرته (شانتي) عن سبب وفاتها، من أثر النزيف الحاد الذي تلا عملية الولادة وتسبب في ضعفها ووفاتها.
في نهاية الأمر أعرب الطبيب لوالدها عن ذهوله الشديد بهذا الأمر، وأن هذه الحالة فاقت تصوراته عما كان متوقعه، وأن هذا الأمر لا يملك له تفسير منطقي، ولكنه بصورة ما انتقلت ذاكرة الفتاة الراحلة (لوغدي) إلى الفتاة الصغيرة (شانتي).
حينما بلغت (شانتي) عامها التاسع، جاء إلى أبيها أحد أقاربهم الذي سمع بحكايتها اسمه (بيشانجاند) يعمل في مدرسة حكومية، وكعادة زوار العائلة استمع إلى (شانتي) وهي تروي له حياتها الماضية، وأنصت لكل التفاصيل، ثم اشترط عليها شرط إن هي أخبرته باسم زوجها في الحياة السابقة وعنوانه، أن يتصل به ويتأكد من روايتها، فسيصحبها إلى هناك.
صورة لشانتي مع احد العلماء الذين درسوا حالتها
كان من عادة نساء الهنود عدم ذكر اسم الزوج احتراماً له، فقامت (شانتي) بذكر اسم الزوج همساً في أذن (بيشانجاند). وعلى أثر هذا الكلام – وبدون اكتراث فعلي بالأمر – قام (بيشانجاند) بإرسال رسالة يروي فيها هذه الحالة إلى (بانديت كيدرناث) زوج (لوغدي) يحكي فيه هذه التفاصيل، ويطلب منه المجيء إلى دلهي لبحث الأمر. ولم يتوقع بالفعل أن يقوم أحد بالاتصال به، ولكنه فوجيء بعدها بفترة برد (كيدرناث) يؤكد ما حكته (شانتي) وأخبره أيضاً أن أحد أقاربه المقيمين في دلهي سيأتي لزيارة الأسرة في بيتها لسماع رواية (شانتي).
سقط هذا الخبر على الأسرة كالصاعقة، فهي المرة الأولى التي يبدأون فيها في التحقق من صحة ما كانت ترويه ابنتهم.
ولم يكد يصل قريب (كيدرناث) إلى بيت العائلة حتى تعرفته (شانتي) على الفور أنه ابن عام زوجها، واندهشت العائلة .. واندهشت أكثر وأكثر وهي ترى ذهول الرجل وهو يسمع حكايات (شانتي) عنه وهي حكايات لا يعلم بها أحد إلا (لوغدي) وكيف أنها تعرف أقاربه وأسماؤهم بالتفصيل .. كان الأمر في هذه المرحلة لا يوجد معه أي مفر من حضور (كيدرناث) إلى دلهي.
وفي 15 تشرين/نوفمبر 1935 حضر (كيدرناث) إلى دلهي مع زوجته الجديدة وابنه (نافنيت) – وهو ابن (لوغدي) أيضاً – وتوجه من فوره إلى منزل العائلة مصطنعاً حيلة ما أنه شقيق زوجها وليس زوجها، ولكن (شانتي) تعرفته على الفور وانحنت له باحترام كما تفعل الزوجات الهنديات، وأخبرته بأنه زوجها (كيدرناث) وليس شقيقه، وعلى مدار الساعات التالية أخذت تروي له العديد من الأسرار التي لا يعرفها أحد إلا (لوغدي) زوجته الراحلة، وأما أعجب مشهد رآه الحضور فهو مشهدها حينما رأت (نافنيت)، فقد ارتمت عليه تحتضنه وتهتف في حنان “ولدي” على الرغم من أن الصبي يكبرها بعام، وأحضرت له كل لعبها وأخذت تلح عليه كي يأخذها، وهي تخبره أن هذا هو كل ما تستطيع منحه إياه، وتعجب (كيدرناث) من هذا الأمر، وسألها كيف عرفته وقد ماتت أمه وهو إبن العشرة أيام، فأخبرته أن الأم تعرف ولدها بقلبها قبل حتى ولو لم تره مطلقاً.
ونظرت إلى زوجته وعاتبته عليها، وذكرته بوعده لها أنه لن يتزوج بعدها، فأطرق الرجل خجلاً، وظل الأمر على هذا الحال في روايتها لأدق تفاصيل حياتهما، حتى أنه اختلى بها في ركن الدار بعيداً عن سمع الأهل يسألها عن أشياء شديدة الخصوصية، فأجابت عن كل ما سأل بشكل قاطع، وبأسرار لا يعرفها إلا الراحلة (لوغدي) .. ثم في المساء ودع العائلة وعاد إلى موترا.
تدخل غاندي وزيارة موترا:
انتشرت القصة في ربوع الهند وعلم بها المهاتما (غاندي) واستدعاها وسمع قصتها، وأعجب بها وعرض عليها أن تبقى معه، ولكنها رفضت لتعلقها بعائلتها، ولكنه لم يتركها عند هذا الحين، فأمر بتشكيل لجنة من 15 رجل تبحث أمر قصتها وتحللها. فقاموا بزيارتها والاستماع إليها وطلبوا من أهلها السماح لهم بأخذها إلى موترا حتى يتم التأكد من قصتها.
كانت سعادة الفتاة فوق الوصف يوم الرحلة، واحتال عليها المحللون ليختبروا صدقها فأخبروها أنهم لا يعرفون الطريق، وأنها فرصتك لتثبتي لنا أنكِ تعرفي الطريق الصحيح إلى منزلك القديم.
لم تكذب الفتاة خبراً، بل لم تكن أصلاً في حاجة إلى هذا الأمر فقد انطلقت على الفور في شوارع المكان تصفها وتخبرهم بأسمائها، وتخبرهم بأسماء الناس والجيران في شارعها، وتتعرف على الناس من أقارب زوجها، وتنحني لهم كما كانت تفعل (لوغدي) وظل الأمر على هذا الحال حتى وصلت إلى بيت زوجها، ودخلت البيت بدون استئذان شأنها شأن أصحاب البيوت، وبدون أن تتجول فيه أخبرت مرافقيها بتضاريس المنزل.
وحينما تجمع النساء حول البيت ليروا هذه المعجزة أخذت (شانتي) تحييهن واحدة بعد الأخرى، وتناديهم بأسمائهن، وتذكر لهن تفاصيل لا يعلمها إلا (لوغدي).
بعد هذا خرجت من بيت زوجها وتوجهت إلى بيت والِدَي (لوغدي) واقتربت من رجل وامرأة هرمين وانحنت عليهم بحنان وهمست لهم ببضع كلمات، ما إن سمعها العجوزان حتى نهضا على الفتاة يحتضناها ويبكي الثلاثة في حرارة، ويبكي معها كل الحضور.
قضت (شانتي) عدة أيام في موترا، قبل أن تأتي لحظة الفراق الصعبة، ولكن تم التنسيق مع اللجنة لأن تتكرر الزيارات مرة أخرى على فترات.
عاشت (شانتي) حتى وقت قريب – ولا ندري تحديداً إن كانت مازالت على قيد الحياة أم ماتت – وصدق الكثيرون قصتها، وكذبها آخرون ولكن ظلت حالة فريدة من نوعها في تاريخ الهند.
ويبدو أن الهند سيظل دوماً بلد العجائب .. ولكن هناك حالات أخرى مسجلة لنفس الأحداث لأشخاص آخرين .