الاثنين، 3 مارس 2014

الحلم لغز النفس البشرية


لطالما شغلت الأحلام بأفكارها ومعانيها أذهان الناس على مر آلاف السنين ، فمازالت الأحلام تعتبر إحدى ألغاز النفس البشرية التي حيرت الناس بالرغم من تمكن الطب النفسي من تأويل دلالاتها في نفس الإنسان عندما جاء رائد الطب النفسي فرويد ليترجم معانيها في كتابه "تفسير الأحلام" ، وفي عصرنا الحالي يتعلم الباحثون في علوم الدماغ المزيد عن طبيعة الأحلام.الأحلام ببساطة هي انطباعات وأفكار ومشاعر وأحداث تمر في عقلنا خلال فترة نومنا، والناس عادة يحلمون لمدة تتراوح بين ساعة في ليلة واحدة. فالكل إذن يحلم ولكن البعض فقط يتمكن من تذكر تلك الأحلام. أحلامنا قد تتضمن استخداماً لكل أنواع الحواس ففيها نسمع ونشاهد ونشم وحتى نتذوق الأشياء ، وقد يحدث أن يتكرر نفس الحلم مراراً وتكراراً ، وغالباً ما تكون تلك الأحلام المتكررة غير سارة، فقد تتحول لى كوابيس مفزعة تروعنا أو تبعث الضيق فينا.

تفسير الأحلام : نبذة تاريخية:
كان الناس وما يزالون يحاولون معرفة ما ترمي إليه الرموز التي يشاهدونها في أحلامهم، فالقدامى من الإغريق والرومان يعتقدون أنها رسائل من آلهتهم، وأحياناً اعتمدوا على تفسير الأحلام بهدف إرشاد القادة العسكريين في ساحات المعارك. وفي مصر القديمة اعتبر الأشخاص القادرين على فك رموز الأحلام إناساً مميزين. وفي الصين تعتبر الأحلام طريقة لزيارة الموتى من أفراد العائلة. كما يؤمن بعض قبائل الهنود الحمر والحضارات في المكسيك أن الأحلام هي بالواقع عالم آخر نزوره عندما ننام. كما يوجد أمثلة عن رؤيا الأحلام في القرآن الكريم فقد أوحى الله سبحانه وتعالى إلى نبيه إبراهيم (عليه السلام) بذبح ولده إسماعيل فقال إبراهيم {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} وأوحى الله إلى نبيه يوسف عليه السلام فقال {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} وقد فسرها يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام بأنها تعني خضوع إخوته وتعظيمهم اياه تعظيما زائدا .كما ورد أيضاً راويات عن أحلام أو رؤى كانت تتنبأ بولادة محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وذلك قبل بعثه بزمن طويل، بعض تلك الرؤى تذكر حتى اسمه.

ابن سيرين :

يعتبر محمد ابن سيرين ( - 728 م) أحد أشهر مفسري الأحلام في العالم العربي وربما الإسلامي وقد إشتهر بكتابه " تفسير الأحلام" والذي مازال لحد يومنا هذا مرجعاً للعديد من مفسري الأحلام في العالم الإسلامي ، ونذكر من التجارب التي حدثت مع ابن سيرين التي فسرها تفسيراً واضحاً :
- عصفورة / صدقة 
يروى أنه في أحد الأيام أتى رجل إلى ابن سيرين و قال له أنه رأى في منامه عصفورة و عندما جاء ليذبحها تكلمت العصفورة و قالت له : " رجاء لا تذبحني " . 
وهنا فسر له إبن سيرين المنام وقال له :" إستغفر ربك فتفسير حلمك أنك قد أخذت صدقة لا تحل لك ! " .
فاندهش الرجل من التفسير و إعترف بالفعلة .
- وفاة ابن سيرين
لعل أغرب ما جاء عن سيرة ابن سيرين أنه قبل وفاته بأيام كان جالساً يأكل مع شقيقته فجاءته إمرأة ليفسر لها ما رأته في منامها وعندما أخبرته بالرؤيا ترك ابن سيرين الطعام و تغير لون وجهه فسألته شقيقته : " ما خطبك ؟!" ، فقال لها بهلع : " هذه المرأة تزعم أنني سأكون ميتاً بعد سبعة أيام ! " ، و بالفعل توفي ابن سيرين بعد بضعة أيام من الحادثة ودفن في اليوم السابع !
تجارب ابن سيرين مع التفسير تعتبر كثيرة وخبرته تعتبر لحد الآن الأشهر .


 وفي أوائل القرن العشرين أتى عالمان شهيران بأفكار مختلفة غيرت نظرتنا اعن الأحلام وهما رائد الطب النفسي النمساوي سيجموند فرويد وعالم النفس كارل يونغ، نشر فرويد كتاباً بعنوان: " تفسير الأحلام" في عام 1900، يعتقد فرويد أن الناس غالباً ما يحلمون بالأشياء التي يريدونها والتي لا يستطيعون امتلاكها خصوصاً المتعلقة بالرغبات الجنسية والانتقامية. بالنسبة لـ فرويد الحلم مليء بالمعاني الخفية وحاول أن يفهم الأحلام كطريقة لفهم نفسية الناس الذين يشاهدونها ، كما يعتقد بأن كل فكرة و فعل يتولدان أولاً في أعماق عقلنا .والأحلام يمكن أن تكون طريقاً هاماً لفهم ما يحدث في عقلنا.

تجارب العلم:

في عام 1953 اكتشف العلماء شكلاً خاصاً من النوم يدعى "حركة العين السريعة" أو اختصاراً بـ REM، فقد لوحظ في التجارب أن العين تتحرك جيئة وذهاباً وبسرعة عند نومنا. كما وجد أن أجسادنا تمر بعدة فترات من النوم كل ليلة وعندما ندخل فترة "حركة العين السريعة" تتوقف أجسادنا عن الحركة ونشاهد خلالها الأحلام، ويمكن أن نمر بعدة فترات "حركة عين سريعة" خلال ليلة واحدة. وفي حال تم إيقاظ شخص أثناء فترة "حركة العين السريعة" فإنه سيتذكر 90% من تفاصيل حلمه وهذا ينطبق أيضاً على الأشخاص الذين لا يتذكرون أحلامهم أبداً.

العلماء الذين يدرسون الأحلام يقومون بوصل أسلاك على رأس الشخص موضوع التجربة ، تقوم الأسلاك بتسجيل النشاط الكهربائي في الدماغ، وأظهرت التجارب أن هناك ازدياداً ملحوظاً في نشاط منطقة من الدماغ تكون مسؤولة عادة عن المشاعر والأحاسيس عندما نحلم.كما لوحظ أن المنطقة الجبهية من الدماغ سجلت أقل مستوى من النشاط وهي المسؤولة عادة عن المستويات العالية من التفكير كالتنظيم والذاكرة وهذا يفسر لماذا تكون أحلامنا غريبة بعض الشيء أو مستهجنة.


أفادت دراسة حديثة إن الإنسان يقضي عشر عمره في رؤية الاحلام وهذا يعني ان انسان عمره خمسون عاما قد قضى خمس سنين وهو يحلم ( حوالي 1800 يوم أو 45000 الف ساعة ) وهذه الفترة من العمر يعيش الإنسان بواقع تفاعلي .
تأثير الحلم في الإبداعقد يأتي الفنانون والأدباء والعلماء بأفكارهم وإبداعاتهم من عالم الحلم ، وقد حدث ذلك فعلاُ لمغني فرقة Bettle الشهيرة باول مكارتني حيث زعم أنه استيقظ في أحد الأيام وكانت أغنية Yesterday الشهيرة ترن في رأسه.وكذلك الكاتبة الشهيرة ماري شيلي حلمت بحلم قوي عن باحث يستخدم آلة بغرض إعادة الحياة إلى مخلوق بشري ميت، فألهمها ذلك الحلم في كتابة راوية عن باحث اسمه فرانكشتاين أعاد الحياة إلى وحش مرعب، أصبحت الرواية شهيرة وتناولتها العديد من أفلام الرعب أو حتى ساعدت كتاب الفيلم في انتاج نسخ مشابهة معتمدة عليها.
أنواع الأحلام من وجهة نظر الدين

يرى الدين الإسلامي أو حتى الأديان السماوية الأخرى أن هناك أربعة أنواع من الأحلام تبعاً لمصدرها:
1- الأحلام التي تكون انعكاس لحالة الشخص النفسية أو الصحية أو الأحداث التي مر بها في حياته.وهنا يمكن تطبيق نظرية فرويد في تفسيرها. ويصطلح على تسمية ذلك النوع بـ "أضغاث أحلام".
2- الأحلام التي تكون رؤية من الله التي ترسل عبر الملائكة بهدف التنبه إلى مخاطر معينة قادمة في الحياة أو التي تسهم في تعديل سلوك الشخص وتجنيبه الإنحراف وهنا يدخل أيضاً تأنيب الضمير ، أو تكون رؤيا سارة أو بشرى للانسان الصالح.
3- الأحلام التي تأتي من الشيطان أو الجن : يمكن أن يكون مرعباً ويتضمن كوابيس ووحوش مخيفة، وقد يتحول إلى حالة مس شيطاني فيتلبس فيه الجن ويقوده إلى الجنون.أو يكون تحت تأثير سحر.
كما يجدر بالذكر أن هناك أحلام غامضة أو مرمزة قد تكشف المستقبل: قد يشاهد فيها الشخص مكاناً لم يزره في الماضي إلا أنه سيزوره في المستقبل، عادة يكون مصدرها مجهولاً. ويمكن أن تكون الأحلام إشباعاً للرغبات الجنسية بسبب التعرض للمؤثرات الخارجية .




الاحلام التنبؤية والجلية:
ما حدث مع ابن سيرين و مع مختلف ما فسره خلال حياته لم يكن سوى مثال صغير عن كثير من الأمثلة الغريبة والمدهشة التي حدثت وتحدث في مناطق مختلفة من العالم حيث أصبحت تثير دهشة وحيرة العلماء الذين مازالوا لحد الآن يبحثون عن تفسيرات مقنعة لما يحدث في عقل الإنسان أثناء نومه .
فكما هو معلوم تأتي الأحلام في مجملها على هيئة صور وأحداث متشابكة يكون أغلبها مجرد رسائل عفوية لا تفسير أو تحليل لها، ومنها ما يأتي بسبب رغبة حيث إذا أراد الإنسان شيئاً وأحب أن يحدث له يتجسد له في الأحلام وهناك ما يمكن أن تجد له تفسيراً لكن يجب الإعتماد على الإختصاصيين في ذلك وهذا يرجع عادة لتشابكها و تعقيد تفاصيلها والتي تأتي بطريقة مرتبة لكنها غامضة.
أما أكثر ما يثير الجدل في الأحلام هو ذلك النوع الذي يتكون في عقل الإنسان أثناء نومه على شكل رؤى واضحة جداً وتبعث بالريبة فإما أن تكون قد حدثت بعد الحلم أو قبله أو حتى بعد سنوات من الحلم كما جاءت شكلاً و تحليلاً في تلك الأحلام .
يحدث هذا الشكل الواضح من الأحلام والذي يطلق عليه اسم " الأحلام الجلية " Vivid Dreams عادة لبعض الناس الذين يعتبرون أنفسهم عاديين والذين لا يدعون هم (أو معارفهم) إمتلاكهم لقوى روحية أو خارقة للطبيعة لهذا أصبحت هذه الأحلام أو الرؤى تثير التساؤل حول طريقة تشكلها أو من أين تأتي تلك الإشارات التي يرسلها العقل أثناء نوم الإنسان !؟
تجارب واقعية يعيش الكثير من الناس حول العالم تجارب أحلام تصنف في معظمها كمجرد أضغاث أحلام و رؤى عادية تتلخص عادة في حوادث مختلفة لم تلق الإهتمام من قبل العلماء أو حتى الصحافة لأنها تحدث و تبقى حبيسة لدى الشخص الذي حلم بها وإن تحققت على أرض الواقع فإنها تواجه بالتشكيك .
- بركان كاركاتواومع ذلك هناك أحلام أثارت الكثير من الضجة حولها ونذكر منها ما حدث مع أحد محرري الأخبار في صحيفة بوسطن غلوب وهو إدوارد سامسون :
ففي عام 1883 كان إدوارد في مكتبه بمقر الصحيفة التي يعمل بها عندما شعر بالتعب فقرر أن ينام قليلاً بالمكتب و لكنه إستيقظ مذعوراً بعد أن رأى كابوساً عند حوالي الساعة 3:00 صباحاً وكان ما رآه واضح جداً في تفاصيله، فقد رأى مجموعة كبيرة من الناس يحاولون الهرب من بركان ثائر و مجموعة من السفن المحطمة وكذلك الشمس كانت زرقاء اللون و لشدة تأثره بالتفاصيل قرر كتابتها على ورقة لكي لا ينسى الحلم وبعدها قرر المغادرة إلى منزله ليرتاح من العمل و في ظهر اليوم نفسه وجد أحد المحررين الورقة على مكتب إدوارد فظن أنه خبر فقام بتحريره على الصحيفة فقرأه الألاف و إستغربوا بأنها قصة لم يكن لها وجود، فإعتذر إدوارد لرئيس تحرير الصحيفة و أكد له أنه كان مجرد حلم كتبه على ورقة كي لا ينساه لكن بعد الحادثة بيومين وردت أخبار أن جزيرة كاركاتوا Krakatoa قد ثار فيها بركان هائل تسبب في موت 36 ألف شخص و غرق عشرات السفن و بدت الشمس شديدة الزرقة ذلك اليوم بسبب الأبخرة و الغازات و كذلك الرماد البركاني، هذا الأمر أثار حيرة وإستغراب ألاف من قرأوا الخبر بيومين قبل حدوثه و بهذا تأكد الجميع أن ما حدث لسامسون كان " رؤيا مستقبلية " .
- زلزال جلاسكومثال آخر حدث مع شخص لا يعدو كونه إنساناً عادياً كما لم يدعي أنه يملك شيئاً خارقاً للعادة. ونذكر قصته التي كانت في البداية نكتة ذلك اليوم في بريطانيا، لكن ما حدث بعدها جعل الكثيرين يصفونها على أنها رؤيا قد تجسدت و أصبحت النكتة شيئاً مريباً و غريباً. 
ففي عام 1978 تم القبض على شخص في محطة القطار بويلز لم يدفع ثمن التذكرة و كان قد إدعى أنه كان متوجهاً إلى غلاسكو في اسكتلندا لتحذير المسؤولين من زلزال مدمر سيحدث وأنه قد نسي من شدة قلقه و إرتباكه أن يدفع ثمن التذكرة لكن الشرطة إعتبرتها حجة مضحكة و عنونت صحف ذلك اليوم الخبر بطريقة ساخرة وهزلية مؤكدة أنه أغبى عذر لشخص يمكن أن يقوله بسبب عدم دفع التذكرة خصوصاً أن وقوع الزلازل في إسكتلندا يعد أمراً نادر الحدوث. 
- وبعد إنقضاء 22 يومأعلى ذلك أصيبت جلاسكو بزلزال مدمر تحطمت فيه البنايات و الطرق ، ولحد الآن لم تعرف هوية صاحب الرؤيا كما لم يتمكن العلماء من معرفة كيفية إستطاعته من التنبأ بالحادثة .
- حاول العلماء مرار أن يفسروا هذه الظاهرة الغريبة وعزلها لتكوين فرضية يمكن أن تكون البداية لحل اللغز وراء تلك الرؤى والأحلام الغريبة لكنهم اصطدموا بعائق تمثل في أنه بعد وقوع حادثة كزلزال أو بركان أو أي كارثة أخرى تجد ألاف الناس تدعي بعدها و تأكد بأنها تنبأت بهاته الحادثة بعد رؤى أو شعور أتاهم بأنها ستحدث وقد حاول العلماء إستثناء كثير من الحالات التي تكون مجرد كذب ولكن رغم ذلك بقيت هذه القضية لغزاً. 
ومن الجدير بالذكر أن كثيراً من الحيوانات تستشعر الزلازل قبل حدوثها بعدة أيام كما نجد في الضفادع والأفاعي إلى درجة أن بعض مراكز رصد الزلازل استخدمتها كما فعلت الصين .
رسائل من عالم آخر:
اعتقد الكثير من العلماء والمختصين أن الأحلام (في بعض الأحيان) قد تكون رسائل تأتينا من المستقبل فمنها ما يأتي بصورة غامضة مبهمة وهناك ما يكون واضحاً لا يحتاج لتحليل. لكن نظرة الروحانيين تختلف عن نظرة العلماء وبحسب معتقداتهم فإن الروح بعد النوم ترتقي بطريقة لا تصل إليها أثناء اليقظة لهذا فإنها تستطيع الإتصال بعالم آخر غير عالمنا أو فتح بعد آخر و معرفة أحداثاً مستقبلية وحتى الإلتقاء بالموتى ؟! ، ربما كان أمراً يدعو للغرابة بالنسبة للبعض ، لكن تلك النظرة قوبلت بالرفض من طرف العلماء ، خاصة أنها لا تدعم بنظرية علمية ثابتة و هو ما يؤمن به العلماء .
هناك الكثير من التأويلات والتفسيرات لماهية الأحلام لكن لم يستطع أحد أن يجد طريقة علمية أو روحانية لماذا تأتينا الأحلام برؤى مستقبلية غامضة وحول دور عقل الإنسان و روحه في بناء تلك الرؤى ، خاصة أنها تأتي أثناء نوم الإنسان ، فهل يمكن أن تكون الأحلام تأتي من عالم آخر غير عالمنا؟! و هل يمكن فعلاً لعقل الإنسان الإتصال بعالم آخر و فتح بعد آخر ؟
أسئلة كثيرة ما زالت تثار حول الأحلام التنبؤية التي تعتبر بعيدة عن فهمنا الواضح لها رغم محاولات العلماء لوضع نظرية مبنية على أسس قوية، وهذا بدوره يطرح تساؤل آخر : " هل يمكن تغيير المستقبل في حال تمكن العلم من تفسير تكون الرؤيا ؟ ".



الحلم وعلم النفس حسب علم النفس والمنهاج الفرويدي يفترض أن رمزية الحلم لا تمتُّ بصلة إلا إلى الذاكرة والماضي. بيد أن الواقع التجريبي – أو السريري، إن شئت –يبيِّن أن الحلم مسرح لأفكار ومشاعر لم تكن واعية في يوم من الأيام قط، ويتفتق فيه عقل الإنسان عن قدرة مذهلة على إبداع رموز متنوعة إبداعاً فطرياً عفوي والحلم الذي يحقق رغبة وهو الحلم الذي يراه الشخص لإشباع رغبة يتمنى تحقيقها وهذا النوع من الأحلام يكثر لدى الأطفال ويحلمون بما يتمنون وهذا النوع من الأحلام هو الخاص بالتعبير عن الرغبات والاندفاعات المكبوتة).والحلم الذي يشبع احتياجاً بيولوجياً يلح عليه مثل من يحلم بممارسة جنسية والحلم الذي يحافظ على استمرارية الوضع النفسي وهو الحلم الذي تتحول فيه المثيرات الخارجية إلى حلم مثل من ينام وبجواره آخرون يتحدثون فيتحول كلامهم إلى حلم يعيشه النائم.أو النائم الذي تمتلئ مثانته فيحلم بالبحث عن دورة مياه لإفراغ المثانة. كل هذه أمثلة للحلم الذي يحول المثيرات إلى حلم. فبعض الأحلام عبارة عن إشباع لرغبات ودوافع الإنسان وخاصة اللاشعورية.وكان فرويد أول من وجه الانتباه إلى وظيفة الحلم كوسيلة للإشباع الدوافع اللاشعورية. وقال إن الأحلام تنتج عن الصراع النفسي بين الرغبات اللاشعورية المكبوتة والمقاومة النفسية التي تحاول كبت هذه الرغبات اللاشعورية ومنعها من الظهور في الشعور. وليس الحلم في نهاية الأمر غير حل وسط ومحاولة للتوفيق بين هذه الرغبات المتصارعة : الرغبات اللاشعورية التي تريد أن تظهر في الشعور ,والمقاومة التي تريد كبتها ومنعها من الظهور في الشعور.


وظيفة الحلم الرئيسية:


يرى فرويد أن وظيفة النوم الرئيسية هي استمرار النوم وحمايته ,ويقول إن الحلم هو حارس النوم . فإذا أحس النائم بالجوع أو العطش ,مثلا ,تدخل الحلم في الحال لمنع هذه الحالات التي تقلق راحة النائم وتشبع رغباته في صورة حلم ولذلك يحلم الإنسان عادة في مثل هذه الحالة أنه يأكل الطعام أو يشرب الماء وهكذا يستطيع النائم أن يستمر في نومه. وفي حلم آخر كان على الشخص أن يستيقظ مبكرا للذهاب إلى عمله. ولما كان هذا الشخص لا يريد أن يذهب إلى عمله فقد حلم أنه موجود في العمل.وقد اشبع هذا الحلم في هذه الحالة الرغبة التي كانت تريد قطع النوم ,وبذلك استمر الشخص في نومه. ويحدث أثناء النوم عادة كثير من الأمور التي تقلق راحة النائم كالأصوات والأضواء الشديدة والإحساسات والآلام البدنية والأفكار المخيفة المزعجة. وفي كل هذه الحالات يحاول الحلم دائما أن يحول الأشياء المثيرة أو المؤلمة إلى أشياء أخرى لا يظهر فيها عنصر الإثارة أو الألم أو الخوف. فإذا نجح الحلم في عمله استمر النائم في نومه .ولكن كثيرا ما يفشل الحلم في هذا العمل فيستيقظ الفرد من نومه. وتضعف رقابة العقل عادة أثناء النوم , كما تضعف المقاومة التي تكبت الدوافع والرغبات اللاشعورية. ولذلك تجد هذه الدوافع والرغبات اللاشعورية في النوم فرصة للظهور في الشعور ,ولكن المقاومة لا تزول نهائيا أثناء النوم ,بل إنها تظل وتحاول أيضا أثناء النوم منه هذه الدوافع والرغبات اللاشعورية من الظهور في الشعور. وهكذا ينشأ صراع نفسي ينتهي بإيجاد حل وسط بين الطرفين .وفي هذا الحل أو الاتفاق تتخذ الدوافع والرغبات اللاشعورية صورا وأشكالا ورموزا مبهمة غامضة.
وللحلم إذن صورتان :
1- صورة ظاهرة : وهي الصورة التي نراها في الحلم والتي نتذكرها بعد الاستيقاظ من النوم
2- صورة حقيقية كامنة وراء هذه الرموز :وهي الدوافع والرغبات اللاشعورية التي ظهرت في الحلم في صورة رموز غير مفهومة .
ولهذا السبب يعتبر المحللون النفسيون الأحلام من أحسن المواد التي تساعدهم على معرفة حقيقة الدوافع النفسية التي تؤثر على المريض . ولذلك فهم يعنون عناية كبيرة بتفسير الأحلام كوسيلة من الوسائل التي يتبعونها في العلاج للكشف عن العوامل الحقيقية التي تلعب دورا هاما في شخصية المريض.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق